إنّنا إذا ما تمعّنا بشيٍ من الدقّة في الآيات المذكورة لا تّضح لنا عدم وجود أيّ تضاد في هذه المسألة ، وذلك لأنّ المتوفّي الرئيسي هو الله تعالى ، ثمَّ تناط مهمّة قبض الأرواح بـ «ملك الموت الكبير» (عزرائيل عليهالسلام) الذي اوكلت إليه هذه المهمّة وهو بدوره ينجز هذا العمل أيضاً بواسطة «مجموعة من الملائكة» والرُسل الذين هم نفس أولئك الملائكة.
إنّ الأحداث المهمّة في هذا العالم تنجز أساساً بواسطة الملائكة الَّذين لا هدف لهم إلّا الطاعة لله والعمل بأوامره ، والموت الذّي هو أحد هذه الأحداث المهمّة في هذا العالم لايستثنى من هذا القانون.
وجملة : (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) تدلّ على أنّ الموت مقدّمة العودة نحو الحق في مرحلة السير الصعودي ، كما أنّ الولادة هي نافذة نحو عالم الفناء والسير النزولي لروح الإنسان ، والتعبير ب «ثمّ» من المحتمل أن يكون إشارة لوجود البرزخ.
* * *
٤ و ٥ ـ حال المؤمنين والظالمين عند سكرات الموت
إنّ حال المؤمنين والمحسنين لا يشبه حال الظالمين والمذنبين عند حلول الموت في ساحتهم ، أو بتعبير آخر إنّ نتائج أعمالهم وعقائدهم تظهر بالتدريج في تلك اللحظة ، و «الآية الرابعة والخامسة» لهما دلالة عميقة على هذه الحقيقة.
قال تعالى : (الَّذِينَ تَتَوفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ ظَالِمى أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) ، وتدلّ هذه الكلمات على أنّهم لم يخضعوا بالكامل ، فهم لا يعلمون بأنّ هذا الانكار لا معنى له أمام الله الّذي يعلم الغيب وأمام الشهود من الملائكة ، لذا أضاف تعالى في ذيل الآية : (بَلَى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). ثمّ وجّه الأمر إليهم فقال : (فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدينَ فِيهَا).
ومّما تقدّم يظهر أَنّ اعلان التسليم بالنسبة لهؤلاء هنا هو بمعنى اظهار التوحيد والتسليم للحق (كما يرى عدد من المفسرين) ولكن بما أنّ جوّ الدنيا لم يفارقهم بعد ولم يَتعرَّفوا على