٦ ـ علّة الخوف من الموت
إنّ صورة الموت مرعبة لدى الناس عادةً ، والسبب في ذلك يكمن في أمرين ، فهو إمّا أن يكون باعتبار الموت نهاية كلّ شيء أي يساوي معنى الفناء ، وإمّا أن يكون بسبب التلوّث بارتكاب الذنوب وحب الدنيا الشديد ، فلماذا يخاف الموت من يعتبره ولادة جديدة وبداية انتقال إلى عالم اوسع وحياة أرقى ، ومن يحمل في جعبته كميّة هائلة من الأعمال الصالحة إعداداً لسفره والذي ليس للدنيا في قلبه موضعٌ يعتنى به؟ وقد أشار تعالى في الآية السادسة إشارة لطيفة لهذا الأمر ، قال تعالى : (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَولِيَاءُ للهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ثم يضيف (وَلَا يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ).
وممّا يجدر بالالتفات هنا هو أنّ المخاطب في هذه الآية هم اليهود ، والسببب في ذلك على مايبدو أمران :
الأول : هو أنّ اليهود يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار دائماً ـ حتّى في يومنا هذا ـ ويتصورون أنّهم يمتازون عن الآخرين بصفات خيالية ، فهم يعتبرون أنفسهم أبناء الله المختار تارةً! وأحياناً إنّهم أولياؤه وأحبّاؤه : (وَقَالَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أبْنَاءُ اللهِ وَأحِبّاؤُهُ). (المائدة / ١٨)
واخرى ، يقولون : لن تمسنا النار أبداً مهما ارتكبنا من الذنوب إلّاأيّاماً معدودة : (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلّاأَيَّاماً مَّعْدُودَةً). (البقرة / ٨٠)
فيجيبهم القرآن : إنْ كنتم صادقين في عقيدتكم هذه فلِمَ تخافون الموت بهذه الشدّة إذن؟ فهل يخاف الخليل من لقاء خليله؟ وهل يكون الانتقال من السجن إلى جنّة عامرة خضراء أمراً مخيفاً؟!
وجاء ما يشبه هذا المعنى في قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِندَ اللهِ خَالِصَةً مِّنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقينَ)! (البقرة / ٩٤)
والثاني : هو أنّهم كانوا يعبدون الدنيا وتعلّقت قلوبهم بعالمِ المادّة ، هذا بالإضافة إلى