الصالحات إلى أعمالهم ، ولا المسيئون يمكنهم العودة للتوبة والإصلاح ، لذا يجاب عن هذا الطلب بحزم ويقال له : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هَوُ قَائِلُهَا).
إنّ جميع المجرمين عندما يقعون بقبضة المُقتَصِّ يتوسلون بمثل هذه الأساليب ، ولكن غالباً ما يعودون إلى تكرار أعمالهم فور ارتفاع أمواج البلاء عنهم.
وممّا يجلب الإنتباه هنا هو أنّ المخاطب في كلمة «ربِّ» ، هو الذات المقدّسة الإلهيّة ، لكن المخاطب في «ارجعون» جاء بصيغة الجمع.
يرى المفسرون : أنّ هذا إِمّا من أجل التعظيم لمقام الحق تعالى ، وإمّا أن يكون المخاطب في الواقع هم الملائكة الذين يأتون أفواجاً لقبض الأرواح.
كما أنّ هذا المعنى محتمل أيضاً وهو أنّهم يتوسلون بساحة اللطف الإلهي أولاً ، ثم يلتفتون إلى الملائكة يطلبون منهم العودة (١).
وجاء ما يشابه هذا المعنى أيضاً في قوله تعالى : (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّنْ قَبْلِ انْ يَأْتِىَ احَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلَا اخَّرتَنِى الَى اجَلٍ قَريبٍ فَاصَّدَّقَ وَاكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ). (المنافقون / ١٠)
وقد اجيبوا هنا بجواب سلبي أيضاً في ذيل الآية ، وبصورة اخرى : قال تعالى : (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً اذَا جَاءَ اجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). (المنافقون / ١١)
كما يستفاد من الآية ٢٨ من سورة الأنعام أيضاً أنّ المجرمين يتحدّثون بهذا الحديث عندما يعرضون على جهنّم ، وبما أنّ ذلك خارج عن موضوع البحث فإننا نعرض عن ذكره هنا.
* * *
ثمرة البحث :
إِتضحت بجلاء وجهة نظر القرآن الكريم في مسألة الموت من أبعادها المختلفة ، من
__________________
(١) واحتمل صاحب تفسير الميزان هذا الاحتمال أيضاً وهو أنّ ضمير الجمع يدل على الجمع في الفعل لا على الجمع في الفاعل ، فكانّ المحتضر يريد أن يقول «إرجع ، ارجع» عدّة مرات فيأتي بكلمة ارجعوا بدلاً عن التكرار. (تفسير الميزان ج ١٥ ، ص ٧١) ولكن من البديهي لو جاز هذا في اللغة لكان قليلاً جدّاً.