ومن الواضح هو أنّ تصوراً كهذا عن مسألة الموت يطرد الخوف والهلع عن الإنسان ، كما أننا لا نقول إنّه ينتحر ، لأنّ هذه الحياة هي وسيلة لجمع رأسمال أكثر ولكسب الزاد وتهيئة الراحلة للإعداد للسفر نحو ذلك العالم ، بل نقول : إنّه يبسط جناحيه عندما ينفصل منها ، ويذهب إلى استقبال شيٍ يمدّه بحياة جديدة بكل شهامة وشجاعة.
الفرقة الثانية : وهم الذين يؤمنون بالحياة بعد الموت لا يعتبرون الموت فناءً وعدماً أبداً ، لكنهم بسبب اسوداد صحائفهم يهربون من الموت ، لخوفهم من العقوبات التي ستحل بهم بعده ، والتي اعدّت لهم في المحشر ، فهم يهربون منها كما يهرب المجرمون الذين يتمنون دائماً تأجيل يوم المحاكمة ، والبقاء في السجن من دون محاكمة!
ومن حق هؤلاء أيضاً أن يخافوا من الموت ، فالخلاص من السجن بنفسه أمرٌ حسن ، ولكنّه ليس كذلك بالنسبة لمن يخرجُ من السجن إلى خشبة الاعدام.
الفرقة الثالثة : وما يجدر بالالتفات أيضاً هو أنّ حبّ الدنيا والتعلّق بها والحبّ الشديد للمال والمنصب والمظاهر الاخرى ، تجعل الإنسان يخاف الموت .. الموت الذي يُخرج جميع هذه الامور من قبضته.
أمّا بالنسبة لِمنْ لا يعتبرون الموت فناءً ولم تسودّ صحائف أعمالهم ، ولم تربطهم بالدنيا المادية جميع العلائق ، فلا داعي لأن يخاف هؤلاء الموت حتّى لو كان بأقّل درجات الخوف.
* * *
٣ ـ أسباب الخوف من الموت في نظر الروايات
ذكرت الروايات في مجال الخوف من الموت والفزع منه مسائل لطيفة أيضاً وهذه المسائل تتّسم بالاسلوب التربوي ، وهي كما يلي :
١ ـ سأل رجلٌ الإمام الحسن المجتبى عليهالسلام فقال : يا ابن رسول الله! ما بالُنا نكره الموت ولا نحبٌّهُ؟ فقال عليهالسلام : «إِنّكُم أخربتُم آخرتكم وعمرّتم دنياكم ، وأنتم تكرهون النَّقلة من