١١ ـ يوم الحسرة
ورد هذا التعبير في آية واحدة من القرآن وهو من التعبيرات التي تهز المشاعر عن يوم القيامة ، فهو يوم الحسرة والأسف والندامة ، قال تعالى : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذ قُضِىَ الْأَمْرُ وهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَايُؤْمِنُونَ). (مريم / ٣٩)
«الحسرة» : من مادة «حَسْر» ، قال صاحب (المفردات) وصاحب (مقاييس اللغة) وعدد آخر من اللغويين : إنّها بمعنى الكشف ، فمعنى حسرتُ عن الذراع كشفتُ عنها ورفعتُ عنها الكُم ، ثم اطلقت كلمة حسرة على الغم والهم الحاصل من ضياع الفرص أو بعض الامور ، فكأن حجاب الجهل يُرفع عن الإنسان فيكتشف اضرار الأعمال التي كان يمارسها وتظهر له الحقيقة على ما هي.
لكن البعض الآخر يعتبر الأصل في الحسر هو «الانسحاب» ، ولكن الحقيقة أنّ الانسحاب من لوازم المعنى الأول ، فعندما ينسحب ماء البحر إلى الخلف مثلاً فإنّ من الطبيعي أن تظهر السواحل التي كان يغطيها الماء ، أو عندما يسحب الإنسان كُمَّه إلى الخلف فإنّ ذراعه سوف تنكشف (١).
على أيّة حال فإنّ الحزن والأسف والندامة من لوازم مفهومه ، وأنّ يوم القيامة هو يوم الهم والندامة والحسرة حقاً ، لا للمذنبين فحسب بل للمحسنين أيضاً ؛ ذلك لأنّهم عندما يشاهدون المكافآت الإلهيّة العظيمة فإنّهم يتأسفون على أنّهم لماذا لم يحسنوا أكثر ممّا احسنوا!؟
وقد صرّح بهذا عدد من المفسرين (٢) ، إلّاأنّ الفخر الرازي يقول : إنّ الحسرة لا تشمل أصحاب الجنّة بل تكون من نصيب المُسيئين فقط وذلك لعدم إمكان وجود أي غم أو هم في الجنّة (٣).
ولكن يجب الاعتراف بأنّ غماً كهذا هو نوع من الكمال وليس منبعاً للعذاب الروحي ،
__________________
(١) التحقيق ، ج ٢.
(٢) تفسير مجمع البيان ، ج ٦ ، ص ٥١٥ ؛ وتفسير روح البيان ، ج ٥ ، ص ٣٣٥ ؛ وتفسير روح المعاني ، ج ١٦ ، ص ٨٥.
(٣) تفسير الكبير ، ج ٢١ ، ص ٢٢١.