الندامة والحسرة القاتلة ، ومن حيث أنواع الآلام الروحية الاخرى ، فمثلاً الإنسان الذي يرى الآخرين قد دخلوا الجنّة بواسطته في حين يجد نفسه من أهل النار ، وأليم لعدم إمكان العودة ثانيةً وأليم لدوام العذاب في ذلك اليوم.
ومن الجدير بالذكر هو أنّ إحدى الآيتين السابقتين تحدثت عن المشركين والاخرى تحدثت عن الظالمين ، ونحن نعلم بأنّ الشرك نوع من الظلم ، وأنّ الظلم والاضطهاد أيضاً هو من دوافع الشرك على نوعيه الجليّ والخفيّ.
* * *
١٩ ـ يومُ الوعيد
وردت هذه التسمية مرّة واحدة في القرآن المجيد بأجمعه حيث قال تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ). (ق / ٢٠)
ولا يخفى أنّ كلمة «وعيد» تكرر ذكرها في القرآن كثيراً ، ولكن التعبير بـ «يومُ الوعيد» لم يرد إلّافي مورد واحد.
كلمة «وعيد» اشتُقّت من مادة «وعد» ، قال الراغب في المفردات : «وعد» تستعمل في موارد الخير والشر معاً ، ولكن«وعيد» لا تستعمل إلّافي موارد الشر ، ولذا فسّرَها «ابن منظور» في لسان العرب بالتهديد ، وكلمة «ايعاد» جاءت بهذا المعنى أيضاً.
على أيّة حال فإنّ هذا التعبير إشارة عميقة إلى جميع أنواع عقوبات يوم القيامة ، فهو إشارة إلى عقوبات المحشر وإلى محكمة العدل الإلهيّة وإلى عقوبات النار وجميع العقوبات الماديّة والمعنوية مثل الخزي أمام الناس والبعد عن فيض وقرب الرّب.
وللمفسرين أقوال في مسألة نفخ الصور التي وردت في هذه الآية ، فهل هو نفخة الموت وانتهاء الحياة الدنيا ، أم هي نفخة عودة الحياة وبداية الآخرة؟ ولكن جاء في الآية التالية لهذه الآية : (وَجَاءَت كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ). (ق / ٢١)
وهذا دليل على أنّ المراد منها هو النفخ الثاني وهذا اليوم (يوم الوعيد) هو نفس ذلك اليوم أيضاً (١).
__________________
(١) رَجَّحَ هذا المعنى كثير من المفسرين مثل أبو الفتوح الرازي والعلّامة الطباطبائي والفخر الرازي والآلوسي في روح المعاني والمراغي في تفسيره عند تعليقه على تلك الآية.