ويعتقد البعض أنّ السِجلّ بمعنى الملفّات التي تكتب وتحفظ فيها الدعاوى وامور اخرى مشابهة ، لذا جاء التسجيل بمعنى التقرير والإثبات (١).
على أيّة حال فإنّ ظاهر الآية يشير إلى أنّ السماء كلها تطوى عندما يفنى العالم وتبدأ القيامة ، فتصير بصورة قطعة واحدة كما كانت عليه في البداية ، وهذا ممّا صرح به العلم الحديث ، وهو أنّ العالم في البداية كان على شكل حزمة واحدة ثم دار حول نفسه بسرعة تحت تأثير علل خفية وتناثرت اجزاءه تحت تأثير القوة الطاردة عن المركز وهو الآن في حال الاتساع والانبساط ثم يعود ثانيةً وبسرعة إلى الانقباض والاتجاه نحو المركز ، ثم أخيراً تعود الأجزاء إلى بعضها وتشكّل حزمة واحدة ، وهذه هي نهاية نظام هذا الكون.
ثم تبدأ حركة جديدة وتظهر سموات وأرض جديدة لعالم اخر ، وعلى هذا المعنى فلا حاجة إلى تفسير الآية بالمعنى الكنائي ، ولو أنّ كثيراً من المفسرين مالوا إليه ، وربّما كان ذلك بسبب عدم وجود هذا التفسير في ذلك الزمان.
لكن انطواء السموات في أيّة صورةٍ كان ، لا يعني فناءها المطلق وانعدام العالم المادي ؛ وذلك لأنّ القرآن أشار في آياتٍ متعددة وبصراحة إلى أنّ الناس يخرجون من القبور وتعود الحياة إلى رفاتهم وتبقى الذرات الحاصلة من تفسخ أبدانهم وتجمع وتبدأ حياةً جديدة.
* * *
٢٦ ـ يوم تبدَّلُ الأرضُ غيرَ الأرضِ والسموات
من خلال ما قيل في البحث السابق بشأن القيامة يتضح معنى هذا التعبير القرآني أيضاً ، هذا التعبير الذي ورد مرّة واحدة لا غير في القرآن المجيد ، يدل على الانتقام الإلهي من الظالمين والمجرمين ، قال تعالى : (يَوَم تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّموَاتُ). (ابراهيم / ٤٨)
في أول الأمر يُبَعثَر كل شيء ، ثم يضع باني عالم الوجود تصميماً جديداً ، ويُبدعُ ارضاً
__________________
(١) القاموس ؛ والمفردات ؛ والتحقيق وكتب اخرى.