وهذه الحقيقة اتضحت لنا بسبب الاكتشافات العلمية الحديثة.
وممّا يثير الاهتمام أيضاً أنّ الروايات الإسلامية تحدثت كثيراً أيضاً عن تجسم الأعمال في البرزخ والقيامة ، ولكن لا يعلم علّة عدم اهتمام المفسرين السابقين بهذه الروايات ، ومن المحتمل أن يكون السبب في ذلك هو اعتقادهم بأنّ الأعمال «اعراض» وبأنّها فانية وبأنّ إعادة المعدوم محال ، بينما اتّضح لنا في هذا الزمان بطلان هذا الاستدلال كلياً (وسوف نقرأ في بحث تجسم الأعمال تفصيلاً أكثر في هذا المجال).
* * *
٤١ ـ يوماً تتقلَّبُ فيه القلوب والأبصار
٤٢ ـ يوم تشخصُ فيه الأبصار
التعبيران المذكوران في الآيتين أعلاه واللذان يجمعهما شبه كبير يرفعان الستار عن أسرار اخرى من أسرار ذلك اليوم العظيم ، ويحملان لجميع الناس نداءات جديدة.
ففي الآية الاولى قال تعالى : (يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ والْابْصَارُ). (النور / ٣٧) وفي الآية الثانية قال تعالى : (إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ). (إبراهيم / ٤٢) حلبة المحشر رهيبة من عدة جوانب : من جانب ما يستجد فيها من الوقائع الرهيبة التي تقع عند قيام القيامة ، ومن جانب استعداد الملائكة مع حضور الاشهاد لمحاسبة العباد ، ومن جانب نشر الصحف التي تحتوي على سائر أعمال الإنسان التي ارتكبها خلال حياته صغيرها وكبيرها ، ومن جانب اتضاح ملامح النار والعذاب الإلهي واستحالة العودة لإصلاح مافات وعدم وجود خليلٍ ومنقذ!
إنّ هذه الوقائع والتي يكفي كل واحد منها بوحده لقلب افئدة الناس ، تقع جميعها في وقت واحد ، تجعل الإنسان في حصار شديد ممّا يؤدّي به إلى أن يقلّب عينيه في كل جانب بدون إرادة ويتلفت إلى كل جانب باضطراب يطلب العون ، وعلى حد تعبير القرآن أنّها تقلب الأبصار وأحياناً تقف عن الحركة نهائياً وتبقى الأجفان مفتوحة وكأن روح الإنسان فارقت جسده!