قال «الراغب» في «المفردات» : الجزاء في الأصل بمعنى الاستغناء والاكتفاء ، واطلقوا على الثواب والعقاب جزاء لأنّهما يكفيان لإصلاح العمل المرتكب ، وجاء نفس هذا المعنى في مقاييس اللغة أيضاً.
ومن الجدير بالذكر أنّ الخطاب في الآيتين الاوليين موجّهٌ إلى بني اسرائيل الذين يضرب بهم المثل على مدى الدهور بالتعصّب العرقي والقومي ، فالقرآن ينذرهم بقوله : أنتم الذين تحملون روح التعصب فيما بينكم فسوف تنسون كل شيء في ذلك اليوم العظيم ، كل شيء إلّاأنفسكم.
والحقائق الناصعة التي تحملها هذه الآيات لا تحتاج إلى توضيح ؛ وذلك لأنّها تُثبتُ بوضوح أنّ أهوال يوم القيامة والوقائع الصعبة التي تقع في ذلك اليوم العظيم لا مثيل لها في هذه الدنيا ، ففي هذه الدنيا يوجد الكثير ممن يضحّي للآخرين بنفسه من أجل الروابط العاطفية ، ولكن هذا الأمر لا يَصْدُق في يوم القيامة على أحد.
* * *
٥٣ ـ يوم تبيضُّ وجُوهٌ وتسودُّ وجُوهٌ
هذا التعبير الذي جاء في مورد واحد من القرآن المجيد هو بيانٌ لبعدٍ آخر من أبعاد ذلك اليوم العظيم ويعكس صورة اخرى عن يوم المحشر ، قال تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ). (آل عمران / ١٠٦)
والوجوه المنيرة هي لأولئك الذين تنعّموا بنور الإيمان فيظهر هذا النور على وجوههم لأنّ يوم «القيامة هو يوم تبرز فيه السرائر» قال تعالى : (وَأَمَا الَّذِين ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيَها خَالِدُونَ). (آل عمران / ١٠٧)
أمّا أصحاب القلوب المظلمة الذين خَلَتْ قلوبهم من النور ، والكفار والمجرمون الذين اسودّت قلوبهم فإنّ ظلمات باطنهم تخرج إلى ظاهرهم ، ويُغمرون في عذاب الله ويقال لهم : (فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ). (آل عمران / ١٠٦)