وقال البعض منهم إنّ المراد من التقلّب هو تقليب الوجوه كما تقلب الأشياء على النّار للطهي من طرفٍ إلى آخر ، فهكذا يُفعلُ بوجوه المجرمين أيضاً في ذلك اليوم العظيم.
وقيل إنّ المراد إلقاؤهم على وجوههم في النار ، والحكمة من ذكر الوجوه هنا هو إنّ الوجوه أشرف أعضاء بدن الإنسان وأجلّها لديه.
وهناك احتمال آخر أيضاً وهو الجمع بين التفاسير الثلاثة في هذه الآية وإن كان التفسير الأول والثاني أقرب للصحة فعلى أيّة حال فإنّ الآية تُنبئُ عن الفاجعة الكبرى والعذاب العظيم الذي يواجهه المجرمون والكافرون والمعاندون يوم القيامة.
والخطاب الذي تحمله هذه الآية هو دعوة الناس إلى الاجتهاد في طاعة الله ورسوله في الدنيا قبل حسرة ذلك اليوم العظيم وقولهم ياليتني ... والتي لا تعود عليهم بأيّة فائدة حينئذٍ؟ لماذا يرجّحون اليوم طاعة العباد الذين يتخلّقون بأخلاق الشيطان وطواغيت العصر على طاعة الله؟ الأمر الذي يكون السبب الرئيسي في ندمهم يوم القيامة.
* * *
٦٣ ـ يومَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعّا
هذا التعبير أيضاً له شبه كبير بالتعبيرات السابقة ، قال تعالى : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَّارِ جَهَنَّمَ دَعّاً). (الطور / ١٣)
ثم يقال لهم : (هَذِهِ النَّارُ الَّتى كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ* أَفَسِحرٌ هَذَا أَمَ أَنْتُمْ لَاتُبْصِرُونَ). (الطور / ١٤ ـ ١٥)
«يُدَعُّون» : من مادة «دَعّ» كما قال الراغب في المفردات بمعنى «الطرد الشديد» ، فهذا التعبير يدلّ على أنَّ نَفْسَ الأَخْذِ إلى جهنم أيضاً يكون مقروناً بالشدّة والفزع والخوف والاضطراب الشديد في يوم القيامة العظيم ، إن تصوّر هذا التعبير يكفي لأنّ يرتعد الإنسان ويفكر في عاقبة أمره ، ويوضح للإنسان عِظَمَ المصير الذي سوف يلاقيه.
وما أكثر التباين بين أصحاب جهنم وأصحاب الجنّة ، حتى في كيفية انتقالهم إلى مقرّهم