من الموادّ والهيئات ، أم لا؟ ليس نزاعا معقولا مقبولا لما فيه من المحذورين المتقدّمين.
نعم ، هنا احتمال آخر لتصوير النّزاع ، قد تفطّن به الإمام الرّاحل قدسسره (١) وهو أنّ المعاني التّصديقيّة ، هل تستفاد من الهيئة وحدها ، أو هي تستفاد من مجموع الجملة المركّبة من الهيئة والمادّة؟ قولان :
ولا يخفى : أنّ الاحتمال المذكور أمر معقول ينبغي أن يجعل مثل هذا محلّ تحرير النّزاع في المقام ، والمختار فيه هو القول الأوّل ، كما ذهب إليه المشهور (٢) ، والقول الثّاني مردود ، لا بما ذكر في النّزاع المتقدّم ، من أنّ الوضع في المركّبات مستلزم لمحذوري اللّغويّة والتّكرار ؛ وذلك ، لعدم ورود شيء منهما ، بناء على هذا النّزاع ، بل بما حكي عن ابن مالك من أنّه لو كان للمركّبات وضع ، لما كان لنا أن نتكلّم بكلام لم نسبق إليه ، إذا المركّب الّذي أحدثناه لم يسبق إليه أحد ، فكيف وضعه الواضع! (٣)
اللهم إلّا أن يقال : بالوضع للمجموع نوعيّا ، وهذا ـ أيضا ـ ممنوع.
توضيح المنع ، كما أفاده الإمام الرّاحل قدسسره (٤) هو أنّ الوضع النّوعي للهيئات ـ لمكان وحدتها النّوعيّة ـ ممكن مقبول ، وأمّا للمجموع منها ومن الموادّ فلا ؛ وذلك لتنوّع الموادّ وعدم حصرها بلا جامع واحد عامّ لها كما في الهيئات ، فلو كان للمجموع وضع ، لكان شخصيّا ، وهذا كما ترى ؛ إذ تعلّقه بكلّ ما يتكلّم به المتكلّمون ـ طول
__________________
(١) مناهج الوصول : ج ١ ، ص ١١٨ ، حيث قال : «وأظن ، أنّ القول المقابل للمشهور هو وضع مجموع الجملة لإفادة المعاني التّصديقيّة بأقسامها وخصوصيّاتها ، فجملة زيد قائم موضوعة لإفادة الهوهويّة التّصديقيّة ، كما أنّ مفرداتها وضعت للمعاني التّصوّريّة».
(٢) مناهج الوصول : ج ١ ، ص ١١٩.
(٣) راجع ، نهاية الدّراية : ج ١ ، ص ٣٧ ؛ ومناهج الوصول : ج ١ ، ص ١١٩.
(٤) راجع ، مناهج الوصول : ج ١ ، ص ١١٩.