عبارة عن حمل أحد المفهومين على الآخر ، على قسمين : أحدهما : ما يكون أحد المفهومين مجملا والآخر مفصّلا ، كما في التّعريفات والحدود ، نظير قولنا : «الإنسان حيوان ناطق». ثانيهما : ما يكون كلا المفهومين مجملا ، نظير قولنا : «الغيث هو المطر» وما هو العلامة للحقيقة ، ليس إلّا القسم الثّاني الّذي هو المتداول بين اللّغويين ، وأمّا القسم الأوّل الّذي هو المتداول في الحدود المشتمل على حمل ذاتيّات الشّيء عليه ، فلا يكون علامة للوضع ؛ إذ مفهوم الحدّ (حيوان ناطق) مركّب مفصّل ، وهذا يمتنع أن يكون هو مفهوم المحدود (الإنسان) لكونه مفردا بسيطا مجملا. (١)
وفيه : أنّ صحّة هذا الحمل ، ليس معناها أنّ لفظ : «الإنسان» موضوع للحيوان النّاطق ، بل مقتضاها أنّ هذا اللّفظ موضوع لمعنى بسيط بحيث لو فصّل وانحلّ إلى جنس وفصل ، لصار مركّبا وكان هذا المركّب حدّا له ، هذا كلّه في صحّة الحمل الأوّلي.
وأمّا صحّة الحمل الشّائع بالذّات ، فوجه عدم كونه علامة للوضع عند المستعلم ، هو ما عرفت في الحمل الأوّلي من : أنّ صحّة هذا الحمل والتّصديق به ، يتوقّف على تصوّر الموضوع والمحمول تفصيلا ، وعلى العلم بأنّ «زيدا» مثلا ، مصداق ذاتي وحقيقيّ للإنسان وأنّه متّحد مع الإنسان بما له من المعنى ، فالمعنى الموضوع له لا بدّ وأن يكون معلوما قبل الحمل ، وليس هذا إلّا نفس العلم بالوضع ، فلا جهل حتّى يرفع بصحّة الحمل.
مضافا إلى لزوم الدّور في هذا الحمل ـ أيضا ـ وعدم ارتفاعه بالتّغاير بين
__________________
(١) راجع ، كتاب بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ٩٨ ؛ ونهاية الأفكار : ج ١ ، ص ٦٨.