الأقلّ والأكثر الارتباطييّن ؛ وذلك ، لأنّ المكلّف إذا شكّ في اعتبار شيء في العبادة يحصل له علمان إجماليّان : أحدهما : متعلّق بالتّكليف المردّد بين الأقلّ والأكثر ، وهذا العلم ينحلّ إلى علم تفصيليّ بالأقلّ ، وشكّ بدويّ في الأكثر ، فيرتفع وجوده بالبراءة.
ثانيهما : متعلّق بالغرض المردّد بين ترتّبه على الأقلّ وترتّبه على الأكثر ، وهذا لا ينحلّ ، بل العقل يستقلّ بوجوب تحصيل الغرض عند الشّكّ في حصوله ويحكم بالاحتياط ، ولا مجال لجريان البراءة العقليّة. هذا بالنّسبة إلى أصالة البراءة العقليّة.
وأمّا أصالة البراءة النّقليّة ، فقد فرّق قدسسره فيها بين المقام ، فقال : بعدم جريانها فيه ، وبين تلك المسألة ، فقال : بجريانها فيها.
وقد أفاد قدسسره في وجه ، ما حاصله : أنّ البراءة النّقليّة إنّما تجري فيما يكون رفعه ووضعه بيد الشّرع الأنور ؛ وحيث إنّ قصد القربة حسب اعتقاده قدسسره ـ على ما عرفت آنفا ـ غير قابل للوضع شرعا ، فلا يكون قابلا للرّفع كذلك ، ومعه لا مجال للبراءة الشّرعيّة في المقام ، بخلاف الأجزاء والشّرائط ، فإنّهما قابلتان للجعل ، كما هو الواضح ، فيقبلان الرّفع ، ومعه لا مانع من جريان البراءة الشّرعيّة في تلك المسألة. (١)
هذا ، ولكنّ التّحقيق هو عدم تماميّة ما ذكره قدسسره من أمرين (عدم جريان البراءة العقليّة مطلقا ، والتّفصيل بين المقام ومسألة الأقلّ والأكثر في جريان البراءة النّقليّة).
أمّا الأوّل : فلما عرفت : من إمكان أخذ قصد القربة في متعلّق الأمر ، وأنّ حاله حال سائر الشّرائط والأجزاء ، وعلى تقدير الامتناع ـ أيضا ـ يمكن بيان دخله
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ١ ، ص ١١٤.