وفيه : أنّ النّفسيّة والغيريّة وإن كان لكلّ واحد منهما قيد على حدة يمتاز به أحدهما عن الآخر ، وهذا ممّا يحكم به العقل والعرف ، إلّا أنّ الأوامر الشّرعيّة المتعلّقة بالأفعال مطلقا لها ظهور تامّ عرفا في أنّها إنّما صدرت لانبعاث المكلّف نحو امتثال تلك الأفعال لذاتها ، وأنّ الأفعال مطلوبة شرعا لأجل نفسها ، لا للتّوصل إلى واجب آخر الّذي هو المطلوب عند الشّارع.
وعليه : فنفس إطلاق الخطابات المتوجّهة إلى العرف كاف في حمل ما تعلّق به الأمر على كونه واجبا نفسيّا بلا حاجة إلى بيان زائد بالنّسبة إلى قيديّة قوله : «لذاته» مثلا ، وليس مرجع هذا الكلام إلى أنّ النّفسي هو نفس الطّبيعة ، والغيرى هي مع قيد كى يقال : ببطلانه ـ وإلّا لزم عدم صحّة تقسيم الوجوب إلى النّفسي والغيري ؛ إذ يرجع حينئذ إلى تقسيم الشّيء إلى نفسه وغيره ، مع أنّ التّقسيم المذكور صحيح عرفا بلا ارتياب ـ بل مرجعه إلى أنّ القيد المأخوذ من ناحية الواجب النّفسي ليس من القيود الّتي تحتاج إلى بيان ذلك ، بل العناوين المأخوذة في الأوامر إذا أطلقت ظاهرة في أنّ المطلوب الشّرعيّ هو طبيعتها لأجل نفسه لا لغيره ، وهذا الظّهور كاف في الحكم بأنّ مقتضى الإطلاق هو حمل الواجب على النّفسيّة.
هذا تمام الكلام في مقتضى الأصل اللّفظي ، وأمّا مقتضى الأصل العملي ، فسيجيء البحث عنه في مبحث مقدّمة الواجب ، إن شاء الله.
(المورد السّادس : دوران الواجب بين التّعييني والتّخييري)
والكلام هنا ـ أيضا ـ يقع تارة في مقتضى الأصل اللّفظي ، واخرى في مقتضى الاصل العملي.