ومنها : ما أشار إليه المحقّق الخراساني قدسسره بقوله : «إن قلت : على ذلك يلزم تفكيك الإنشاء من المنشأ ، حيث لا طلب قبل حصول الشّرط». (١)
توضيحه : أنّه لو قلنا : برجوع القيود إلى المادّة وهو الوجوب يلزم في الخطابات الشّرعيّة أن يكون إنشاء الوجوب فعليّا ، ونفس الوجوب استقباليّا مشروطا بتحقّق القيد ، مع أنّ الإيجاب والوجوب مساوق للإيجاد والوجود ، فكما أنّ التّفكيك بينهما في التّكوينيّات مستحيل عقلا ، نظرا إلى أنّها واحد ذاتا ومختلف اعتبارا ، كذلك التّفكيك بين الإيجاب والوجوب في التّشريعيّات.
وقد أجاب قدسسره عنه بما حاصله : أنّ المنشأ حسب الفرض هو الطّلب مقيّدا ، بحصول الشّرط لا مطلقا ، فإذا لا مناص من تحقّق الطّلب في ظرف حصول الشّرط ، وإلّا فلو حصل الطّلب قبل الشّرط يلزم تخلّف المنشأ عن الإنشاء زمانا ؛ إذ الموجود ليس ممّا يتعلّق به الإنشاء ، وما يتعلّق به الإنشاء ليس بموجود ، ولا مانع من إنشاء مثل هذا الطّلب ؛ لأنّه لا يقاس المقام بباب الإيجاد والوجود في التّكوينيّات ، بل المقام يكون نظير باب الإخبار ، فكما أنّ في الإخبار على أمر تعليقيّ لا يلزم من التّعليق في المخبر به ، التّعليق في الأخبار ، كذلك الإنشاء ، فلا يلزم من التّعليق في المنشأ ، التّعليق في الإنشاء.
وبالجملة : منشأ الإشكال هو الخلط بين باب التّكوين ، وباب التّشريع ، فإنّ الإيجاد في التّكوينيّات هو عين الوجود ، وعليه ، يستحيل أن يكون الإيجاد فعليّا ، والوجود استقباليّا ، بخلاف الاعتبار في التّشريعيّات ، فإنّه يمكن التّفكيك بينه وبين
__________________
(١) كفاية الاصول : ج ١ ، ص ١٥٤.