الجهة الثّانية : أنّه لا يأبى العقل عن تصريح الآمر الحكيم بعدم إرادة غير الموصلة ، بل الضّرورة قاضية بذلك التّصريح ، وبجوازه وحسنه ، كما أنّها قاضية بقبح التّصريح بعدم مطلوبيّة المقدّمة مطلقا ، أو على تقدير الإيصال ، فهذا دليل قاطع على اعتبار الحصّة الموصلة في وجوب المقدّمة لا مطلقا.
الجهة الثّالثة : أنّ الوجدان يشهد بأنّ الغرض في إيجاب المقدّمة ، ليس إلّا الإيصال إلى ذيها ، بحيث لولاه لما داعي لايجابها قطّ ، فيظهر من ذلك ، أنّ الوجوب يتعلّق بالحصّة الموصلة منها دون غيرها.
هذا ، ولكن أورد المحقّق الخراساني قدسسره (١) على تلك الأمور بما لا يخلو من ضعف ؛ ونحن نكتفي بذكر إيراده على الأمر الثّالث والنّقد عليه ، والباقي لا حاجة إلى نقله والنّقد عليه.
فنقول : إنّ ايراده عليه يرجع إلى وجهين :
أحدهما : أنّه لا يعقل كون ترتّب الواجب على المقدّمة ، غرضا داعيا إلى إيجابها ، باعثا على طلبها ؛ وذلك ، لعدم ترتّب الواجب غالبا على المقدّمات بتمامها ، فضلا عن إحداها ، نظرا إلى أنّ الواجب إلّا ما قلّ ، كالأفعال التّوليديّة ، فعل اختياري ، فتارة يختار المكلّف إتيانه بعد وجود تمام مقدّماته ، واخرى يختار عدم إتيانه كذلك ، فإذا كيف يمكن اختيار إتيانه غرضا لإيجاب المقدّمة مع عدم ترتّبه!
وفيه : أنّ المراد من الموصل هو ما يترتّب عليه الواجب ولو مع الوسائط ومنها إرادة المكلّف ، وهذا لا ضير فيه.
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ١ ، ص ١٨٨ الى ١٩٠.