وأمّا الخامس والسّادس : فلما عرفت سابقا ، من أنّ التّرجيح ليس بمنحصر في المناسبة أو العلقة الذّاتيّة بوجه العلّيّة.
فتحصّل : أنّ الواضع ليس هو الله تعالى ، وكذا ليس شخصا واحدا ، أو أشخاصا معيّنين ، في عصر واحد ، بل أشخاص كثيرون جعلوا الألفاظ بإزاء معانيها طول الأعصار.
(المقام الثّالث : حقيقة الوضع)
هنا أقوال :
الأوّل : أنّ الوضع أمر جعليّ اعتباريّ ، بمعني : جعل اللّفظ للمعني وتعيينه بإزائه ، لأجل الدّلالة عليه والحكاية عنه ، وهذا ما ذهب إليه جمع من الأعلام (١) واختاره الإمام الرّاحل قدسسره (٢) ولا يخلو من قوّة ، بلا فرق بين الوضع التّعييني والتّعيّني ، بل التّعيّني ـ أيضا ـ تعيينيّ تدريجيّ ، ولا يخفى ، أنّه ليس منشأ العلقة بين اللّفظ والمعنى ، إلّا هذا الاعتبار.
والإشكال : بأنّ الوضع لو كان هي العلقة الاعتباريّة ، لزم انقراضه بانقراض الواضعين ؛ مندفع بما عرفت سابقا ، من أنّ الوضع يدور مدار الاعتبار ، فلا ينقرض بانقراض المعتبر ، كما هو كذلك في سائر الامور الاعتباريّة ، كالزّوجيّة والملكيّة والحرّيّة والرّقيّة وغيرها.
__________________
(١) راجع ، محاضرات في اصول الفقه : ج ١ ، ص ٤٣.
(٢) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٨.