إذا عرفت ذلك ، فنقول : إنّ البحث عن هذه الأقسام ، تارة ثبوتيّ ، فيبحث عن إمكانها ؛ واخرى إثباتيّ ، فيبحث عن وقوعها.
أمّا البحث الثّبوتي ، فلا خلاف ولا كلام في إمكان القسم الثّاني ، (الوضع والموضوع له خاصّان) فيتصوّر الواضع معنى خاصّا جزئيّا ويضع اللّفظ له.
أمّا القسم الأوّل (الوضع والموضوع له عامّان)
فالحقّ أنّه ممكن ـ أيضا ـ فيتصوّر الواضع معنى كلّيا بنحو من التّصور ولو إجمالا ، ويضع اللّفظ له ويعيّنه بإزائه.
نعم ، قد يتوهّم استحالته ؛ بتقريب : أنّ الملحوظ المتصوّر هو موجود بوجود ذهنيّ ، ومن المبرهن في محلّه : أنّ الشّيء ما لم يتشخّص لم يوجد ، لا في الخارج ولا في الذّهن ، فأين الكلّيّة والعموم؟!
وبعبارة اخرى : أنّ اللّاحظ هو النّفس ، وحيث إنّه موجود شخصيّ ، وجزئيّ خارجيّ ، فلحاظه ، وكذا ملحوظه ـ أيضا ـ جزئيّ لا يصلح للصّدق على كثيرين ، كما لا يخفى.
وبعبارة ثالثة : إنّ تحقّق الكلّي بنعت الكلّيّة مقشّرا عن الشّئون الجزئيّة ومجرّدا عن الخصوصيّات الفرديّة ، مستحيل مطلقا حتّى في وعاء الذّهن ؛ إذ لا يتحقّق إلّا بالوجود الّذي هو عين التّشخّص ، فيصير جزئيّا بلا شبهة. (١)
ونتيجة ذلك كلّه ، هو أنّ الوضع العامّ ـ أيضا ـ خاصّ واقعا ، وكذا الموضوع له العامّ ، فلا مجال للقسم الثّاني.
__________________
(١) راجع ، الحكمة المتعالية (الأسفار) : ج ٢ ، ص ٨ و ٩.