أمّا الأوّل : فهو قوله في الأمر الثّامن : «فالرّوايتان الدّالّتان على الحكمين متعارضتان إذا احرز المناط من قبيل الثّاني (وهو ما إذا لم يكن للمتعلّقين مناط مطلقا) فلا بدّ من عمل المعارضة حينئذ بينهما من التّرجيح والتّخيير ، وإلّا فلا تعارض في البين ، بل كان من باب التّزاحم بين المقتضيين ، فربما كان التّرجيح مع ما هو أضعف دليلا لكونه أقوى مناطا ، فلا مجال لملاحظة مرجّحات الرّوايات أصلا ، بل لا بدّ من مرجّحات المقتضيات المتزاحمات». (١)
أمّا الثّاني : فهو قوله في ذيل الأمر التّاسع : «فتلخّص ، أنّه كلّما كانت هناك دلالة على ثبوت المقتضي في الحكمين ، كانت من مسألة الاجتماع ، وكلّما لم يكن هناك دلالة عليه ، فهو من باب التّعارض مطلقا». (٢)
هذا ، ولكن الإنصاف ـ على ما أفاده الإمام الرّاحل قدسسره (٣) ـ أنّ الفرق بين البابين ليس من الجهة المذكورة ، بل إنّما هو من جهة كون أصل التّعارض بين الدّليلين أمرا عرفيّا تشخيصه موكول بنظره ؛ ولذا لا تتدرج موارد الجمع العرفي تحت باب التّعارض ، كالعامّ والخاصّ ، والمطلق والمقيّد ، وجميع موارد الظّاهر والأظهر ، أو الظّاهر والنّص ، وهذا بخلاف باب الاجتماع ، فلا يرى العرف هنا تعارضا أصلا ، لكون الأمر متعلّقا بعنوان ، والنّهي متعلّقا بعنوان آخر ، لا يرتبط أحدهما بالآخر ، وذلك نظير : «صلّ» و «لا تغصب» حيث إنّ العرف لا يرى التّعارض بينهما جدّا ، بل الحاكم
__________________
(١) كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٢٤٢.
(٢) كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٢٤٥ و ٢٤٦.
(٣) راجع ، تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٣٠٣.