ما عرفت في الأمر الثّامن من الامور المتقدّمة ، محصّله : أنّ الأحكام بأسرها متعلّقة بالطّبائع منفكّة عن كافّة الوجودات الخارجيّة والذّهنيّة ومعرّاة عن قاطبة العوارض واللّواحق.
وإن شئت ، فقل : إنّ الطّبيعة متعلّقة للحكم لا بما هي موجودة في الذّهن ، أو الخارج ، بل بما هي هي ، لأنّها باعتبار قيد وجودها في الذّهن غير منطبقة على الخارج ، بل تكون كلّيّا عقليّا موطنه العقل ، ومعه يمتنع امتثال الأمر بها ، كما هو واضح ، وباعتبار قيد وجودها في الخارج ، فالأمر بها طلب تحصيل الحاصل ، فلا مناص إذا عن تعلّق الحكم بنفس الطّبيعة المهملة ، نظرا إلى ما مرّ مرارا ، من أنّ الحكم يدور مدار الغرض ثبوتا وسقوطا ، حدوثا وبقاء والغرض قائم بالطّبيعة لو حصلت وتحقّقت في الخارج ، فيأمر المولى بها ويحكم عليها حتّى ينبعث العبد إليها ، فيمتثلها ويحصّلها في الخارج لاستيفاء ما فيها من الغرض.
ونتيجة ذلك كلّه ، هو أنّه لا محذور في مثل خطاب «صلّ ولا تغصب» مطلقا ، لا التّكليف المحال ولا التّكليف بالمحال ، لورود الأمر والوجوب على عنوان ، والنّهي والحرمة على عنوان آخر ، فلا يجتمعان أصلا.
نعم ، العمل الخارجي والفعل الصّادر عن المكلّف وإن كان مجمعا لعنوانين وهما متّحدان فيه كمال الاتّحاد ، إلّا ليس مجمعا لحكمين ، كيف ، وأنّ الخارج ـ كما قلنا غير مرّة ـ يكون ظرفا لسقوط الحكم لا ثبوته.
ومن هنا ظهر ، ضعف القول بالامتناع وما يقام عليه من الدّليل ، وجه الظّهور ، هو أنّ العمدة في أدلّة الامتناع ما تعرّض به المحقّق الخراساني قدسسره مرتّبا على مقدّمات أربعة نشير إليها ملخّصا.