وثالثا : أنّ ما ورد في تعريف الضّدّين لا ينطبق على الأحكام رأسا.
والسّر فيه : أنّه قد عرّف الضّدّان ـ في محلّه ـ بأنّهما أمران وجوديّان متواردان على موضوع واحد ، مندرجان تحت جنس واحد قريب ، بينهما غاية الخلاف ، فلا تضادّ بين الأجناس ، ولا بين الأصناف من نوع واحد ، ولا بين الأشخاص كذلك.
ومن المعلوم : أنّ الأحكام ليست بامور وجوديّة على مسلك ، وليست بمندرجة تحت جنس واحد على بعض المسالك ، فعلى مسلك كونها عبارة عن البعث والزّجر بالآلات والأدوات وبالصّنع والهيئات اعتبارا مكان البعث والزّجر تكوينا باليد ونحوها ، تكون امورا اعتباريّة عقلائيّة ، كما لا يخفى.
وأمّا على مسلك كونها عبارة عن الإرادات مطلقا ، أو الإرادات المبرزة ، فهي وإن كانت امورا حقيقيّة عينيّة ، لكنّها لا تكون متضادّة ؛ لعدم اندراجها تحت جنس واحد ، بل تكون الإرادات كلّها ـ سواء كانت من قبيل إرادة البعث إيجابا واستحبابا ، أو من قبيل إرادة الزّجر تحريما وكراهة ـ من نوع واحد ، غاية الأمر : أنّها تختلف من حيث المتعلّق ومن جهة الشّدّة والضّعف ، فالمريد إمّا يريد البعث إلى الفعل ، أو يريد الزّجر عنه ، وعلى كلا التّقديرين إمّا تكون إرادته شديدة أكيدة ، أو تكون ضعيفة خفيفة.
هذا ، مضافا إلى أنّه ليس بين الوجوب والاستحباب ، أو الحرمة والكراهة غاية الخلاف ، وإلى أنّه لا تعاقب في الأحكام على موضوع واحد ، لما مرّ من أنّ الأحكام متعلّقة بالطّبائع ، فلا موضوع واحد في البين كي يتعاقب عليه حكمان مختلفان.