أحدها : أن يكون النّهي تحريميّا نفسيّا مولويّا ، وهذا يقتضي الفساد بلا إشكال ، لأنّ الحرمة من جهة كونها كاشفة عن المبغوضيّة ، مستلزمة للفساد بمقتضى العقل والفطرة ، حيث إنّ المحرّم المبغوض لا يصلح للتّعبّد والتّقرّب ، وهذا هو سرّ ما أفادوا في الاستدلال لدلالة النّهي على الفساد بعبارة موجزة وهي : «إنّ النّهي يقتضي الحرمة والمبغوضيّة وهما تنافيان الصّحّة».
ثانيها : أن يكون النّهي تنزيهيّا نفسيّا ، وهذا ـ أيضا ـ لو خلّي وطبعه يقتضي الفساد ؛ إذ ظاهره هي مرجوحيّة متعلّقه وحزازته الذّاتيّة وهي تمنع عن التّقرّب والزّلفى ، كالنّهي التّحريميّ النّفسي.
نعم ، لو لم يكن ظاهرا في المرجوحيّة الذّاتيّة والحزازة النّفسيّة ، بل كان ظاهرا في الإرشاد إلى أقليّة الثّواب وأنقصيّة الأجر ، لما كان مانعا عن التّقرّب ، إلّا أنّه خارج عن دائرة بحث النّهي عن العبادة ؛ إذ محطّ البحث هو النّهي عن العبادة الدّالّة على المرجوحيّة الذّاتيّة ، لا ما يكون إرشادا إلى الأنقصيّة والأقليّة من حيث الثّواب والأجر.
ثالثها : أن يكون النّهي غيريّا ، كالنّهي عن الضّدّ الّذي يكون من ناحية الأمر بضدّه ؛ بناء على مسلك الاقتضاء ، كالنّهي عن الصّلاة من قبل الأمر بالإزالة ، والحقّ عدم اقتضائه للفساد عقلا ، حيث إنّ هذا النّهي لا يكون لأجل مبغوضيّة متعلّقه حتّى تمنع عن التّقرّب به ، بل يكون لأجل مقدّميّة ترك هذا الضّدّ بالنّسبة إلى فعل الضّدّ الآخر المأمور به ، وكما أنّ الأمر المقدّمي لا يدلّ على المحبوبيّة ، كذلك النّهي المقدّمي لا يدلّ على المبغوضيّة ، وعليه ، فيصحّ التّقرّب بالمنهيّ عنه بمثل هذا النّهي ، بناء على