التّداخل ، فإنّ المقصود منه أنّ كلّ واحد من الأسباب عند الاجتماع مستقلّ في السّببيّة ، كحالها عند الانفراد ، فيقتضي مسبّبا خاصّا مستقلّا ، ونتيجته ، أنّه يجب في المثال وضوءان متعدّدان.
وأمّا تداخل المسبّبات ، فالمراد منه هو الاكتفاء بمصداق واحد في مقام الامتثال ، كما عرفت ذلك في فرض عدم تداخل الأسباب ؛ وفي قباله عدم التّداخل ، فإنّ مقتضاه ، عدم الاكتفاء به.
ولا يخفى : أنّ التّداخل وعدمه في الأسباب يرجعان إلى مقام الجعل والتّشريع ، فعلى التّداخل يكون المجعول حكما واحدا ، وعلى عدمه يكون حكمين متعدّدين ، بخلافهما في المسبّبات ، فإنّهما يرجعان إلى مقام الإطاعة ومرحلة الامتثال ، فيكتفى على مسبب واحد عند الامتثال ؛ بناء على التّداخل ، وأمّا بناء على عدمه ، فلا.
إذا عرفت تلك الجهات الأربعة ، فاعلم ، أنّ الكلام في المقام ، إمّا يلاحظ حسب مقام الثّبوت ، وإمّا حسب مقام الإثبات.
أمّا مقام الثّبوت ، فنقول : لا كلام ولا إشكال في إمكان تداخل الأسباب والمسبّبات ، والإشكال فيه ناش من قياس الأسباب الشّرعيّة بالتّكوينيّة ، وقد علمت ممّا حقّقناه آنفا ، أنّ الأسباب الشّرعيّة لا تكون عللا مؤثّرة ، لا للأحكام ولا لمتعلّقاتها وهي الأفعال ، ولا لموضوعاتها وهم المكلّفين.
أمّا مقام الإثبات ، فنبدأ الكلام فيه ، بالنّسبة إلى تداخل الأسباب ، فنقول : لا نزاع فيما إذا ورد الدّليل على التّداخل فيها ، بل يؤخذ به ويعمل على طبقه بلا كلام ، كما هو كذلك في باب الوضوء ، حيث إنّه ورد فيه ما يدلّ على التّداخل في الأسباب ، كرواية إسحاق بن عبد الله الأشعري ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا ينقض الوضوء إلّا