هذا ، ولكن اورد عليه بما حاصله (١) : أنّ الاستعمال ليس إلّا إلقاء للّفظ ظاهرا وصورة ، وإلقاء للمعنى واقعا وسيرة ، لكون اللّفظ آلة لإلقاء المعنى وعاملا لإبرازه ، والآلة مغفول عنها ، حين الاستعمال والإلقاء ، وعليه ، فليس للاستعمال إرادة مغايرة لإرادة المعنى الواقعيّ ، بل إرادة الاستعمال ليست إلّا نفس إرادة المعنى ، فإذا كان المستعمل مريدا للمعاني الواقعيّة تحت الألفاظ فهو ، وإلّا كان هاذلا.
ومن هنا ظهر ، أنّ التّفكيك بين الإرادة الاستعماليّة والإرادة الواقعيّة ممّا لا محصّل له ، بل العامّ قبل ورود التّخصيص عليه وبعده يكون على حدّ سواء في تعلّق الإرادة به ، وأنّ هناك إرادة واحدة متعلّقة بمفاده.
وفيه : أنّ معنى الإرادة الاستعماليّة هنا ، هو أنّ المستعمل استعمل العامّ في معناه وهو العموم ، وأراد هذا المعنى منه وجعله مرآة له وقنطرة إليه ، فأنشأ الحكم ورتّبه على العامّ بنحو العموم ظاهرا (فيما كان المخصّص منفصلا) لداع من الدّواعي الّتي منها إعطاء القاعدة وضرب القانون وتأسيس المرجع للموارد المشكوكة ، غاية الأمر : أنّ الإرادة الجدّيّة لم تتعلّق مع التّخصيص بإنشاء الحكم على العموم وترتيبه عليه.
وبالجملة : الإرادتان إنّما تتعلّقان بالحكم وتلاحظان بالنّسبة إليه ، لا بالنّسبة إلى معنى العامّ حتّى يقال : ليس للاستعمال إرادة مغايرة لإرادة المعنى الواقعيّ.
هذا ، ولكن المحقّق العراقي قدسسره أجاب عن الإيراد المذكور بالانحلال ، فقال في تقريبه ما حاصله : أنّ دلالة العامّ وإن كانت واحدة صورة وظاهرا ، لكنّها متعدّدة
__________________
(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ١ و ٢ ، ص ٥١٧ و ٥١٨.