واقعا ، فهذه الدّلالة والحكاية باعتبار تعدّد محكيها تكون بمنزلة خطابات متعدّدة ، حيث يتلوّن الحاكي بلون المحكي ، فيتوحّد بتوحّده ، ويتعدّد بتعدّده والمحكي هنا يكون متعدّدا ، فيصير الحاكي ـ أيضا ـ كذلك ، وعليه ، فمجرّد رفع اليد عن حجيّة حكاية العامّ بالنّسبة إلى فرد ـ مثلا ـ لا يوجب رفع اليد عن حجيّة حكايته بالنّسبة إلى غيره من الأفراد.
وقد أيّد قدسسره هذه المقالة بالمخصّص المتّصل ، فقال : إنّه كما يمنع المتّصل عن انعقاد الظّهور بالنّسبة إلى المرتبة العليا لا المراتب الأخر ، كذلك المنفصل يمنع عن حجيّة الظّهور بالنّسبة إلى خصوص المرتبة العليا. (١)
ولنا في هذا الجواب وكذا في التّأييد نظر ؛ أمّا الجواب فلما أشرنا في المباحث الماضية سيّما في مبحث التّرتّب ، من أنّ كلّ حكم كلّي قانونيّ فهو خطاب واحد متوجّه إلى جميع المكلّفين ، لا تعدّد في ناحية الخطاب ولا تكثّر ، بل التّعدّد والتّكثر إنّما هو من ناحية متعلّقه وموضوعه ، وعليه ، فلا انحلال لذلك الحكم الواحد الكلّي الشّامل لعامّة المكلّفين.
ويشهد له ، وجدان الشّخص في خطاباته ، حيث إنّه إذا دعى قومه لإنجاز عمل أو رفع بليّة ، فلا يدعوهم إلى ما رامه إلّا بخطاب واحد ، لا أنّه يدعو كلّ واحد بخطاب مستقلّ ولو انحلالا ، وإن شئت تفصيل الكلام ، فراجع مبحث التّرتّب.
وأمّا التّأييد بالمتّصل وجعل الظّهور الوضعي للعامّ فيه ذا مراتب من العليا وما دونها ، فلأنّ العامّ في المتّصل إنّما استعمل في معناه ، كما في المنفصل وهو العموم
__________________
(١) راجع ، مقالات الاصول : ص ١٤٨ و ١٤٩.