فلا يجوز التّمسّك به في مثله ، بل لا بدّ من الرّجوع حينئذ إلى دليل آخر ولو كان أصلا ، كما أشرنا آنفا.
ولقد أجاد الإمام الرّاحل قدسسره فيما أفاده في المقام ، حيث قال : «إنّ الحكم في العامّ الّذي استثني منه أو اتّصف بصفة مجملة متعلّق بموضوع وحدانيّ عرفا ، فكما أنّ الموضوع في قولنا : «أكرم العادل» هو الموصوف بما هو كذلك ، فهكذا قولنا : «أكرم العلماء إلّا الفسّاق منهم» ... فحينئذ كما لا يجوز التّمسّك بالعامّ ، كقولنا : «لا تكرم الفسّاق» إذا كان مجمل الصّدق بالنّسبة إلى مورد ، كذلك لا يجوز في العامّ المتّصف ، أو المستثنى منه بشيء مجمل بلا فرق بينهما». (١)
أمّا القسم الثّالث (المخصّص المنفصل الدّائر بين المتباينين) فالحقّ فيه سراية إجمال المخصّص إلى العامّ ، لكن لا حقيقة ـ كما في المتّصل ـ بل حكما ، بمعنى : أنّه لا يجوز التّمسّك بالعامّ في واحد من الفردين المتباينين ، كقولنا : «أكرم كلّ عالم ولا تكرم زيدا» مع دورانه بين الفردين ، ففي مثل ذلك ، لا يجوز التّمسّك بالعامّ بالنّسبة إلى «زيد بن عمرو» أو «زيد بن بكر» مثلا ؛ إذ نعلم إجمالا في الفرض بخروج أحدهما من تحت العامّ ، ولا مرجّح في البين لأحدهما حتّى نتمسّك في حكم الآخر بالعامّ ، كما في الأقلّ والأكثر ـ على ما سيجيء من كون الأقلّ متيقّنا يؤخذ به ، والأكثر مشكوكا يترك ـ بل الفردان المتباينان متساويان.
وعليه : لا يبقى المجال حينئذ للتّمسّك بالعامّ في واحد منهما ، بل اللّازم هو الرّجوع إلى الاصول بإعمال قواعد العلم الإجمالي ، فلو كان العامّ مقتضيا دالّا على
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ١٤.