وثانيا : أنّ القدرة لو كانت ناشئة من قبل نفس التّكليف وطبع البعث ، كما يقتضيه التّحقيق ، فلا مجال لأخذها في الموضوع وهو المكلّف به لتأخّرها عنه بمرتبتين ، كما لا مجال لأخذ نفس الحكم في الموضوع لتأخّره عنه بمرتبة واحدة.
وعليه : فالمكلّف به لا يكون مقيّدا بالقدرة النّاشئة من قبل طبع الخطاب ونفس البعث ، بل إنّما تكون قيدا عقليّا. وقد عرفت : أنّ العقل لا يجوّز تعلّق التّكليف بالطّبيعيّ إلّا من النّاحية الّتي يرى المكلّف قادرا فيها عليه ، وأنّ المكلّف به لا يكون مطلق الطّبيعيّ ، بل هي الحصّة المقدورة منه ، وواضح ، أنّها لا تنطبق على الفرد المأتيّ به حتّى يكون الإجزاء عقليّا.
«تتميم»
قد أشرنا في أثناء البحث عن الثّمرة إلى جواز الاكتفاء بالملاك في صحّة العبادة ، وعدم الاحتياج إلى الأمر وقصد امتثاله ، وهذا لا إشكال فيه ثبوتا ، إنّما الإشكال في مقام الإثبات ، والكشف عن الملاك بعد ما سقط التّكليف والأمر عن الفعليّة ، فهل يكون طريق كشف الملاك ووجه إحرازه حينئذ هو إطلاق المادّة أو إطلاق الهيئة؟ وجهان ، بل قولان :
الأوّل : هو المشهور ومختار بعض الأساطين ، كالمحقّق النّائيني قدسسره. (١)
الثّاني : هو مختار جملة من المحقّقين ، منهم المحقّق العراقي قدسسره (٢) وهذا هو الحقّ.
__________________
(١) راجع ، أجود التّقريرات : ج ١ ، ص ٢٦٦.
(٢) راجع ، منتهى الأفكار : ص ٣٢.