وإن شئت ، فقل : إنّ أصل الجعل ممّا لا يرفع اليد عنه في كلّ من الضّدّين المتزاحمين لاشتمالهما الملاك ، نظرا إلى عدم اعتبار القدرة فيه ، بل يرفع اليد عن إطلاق أحدهما وهو المهمّ عند الامتثال ويقيّد بعصيان الأمر لكي يرفع به التّزاحم ، كما هو واضح.
هذا كلّه بالنّسبة إلى القول بإمكان التّرتّب ، وأمّا القول بالامتناع ، والاستحالة ، فقد استدلّ له بامور :
الأوّل : ما أشار إليه المحقّق الخراساني قدسسره ، محصّله : أنّ ملاك استحالة طلب الضّدّين في عرض واحد ليس إلّا طلب المحال ، وهو القبيح على الحكيم ، وهذا آت بعينه في طلبهما ترتّبيّا ؛ لأنّه وإن لم يلزم في مرتبة طلب الأهمّ اجتماع الضّدّين لتأخّر طلب المهمّ عنه برتبتين ، لكنّهما يجتمعان في مرتبة المهمّ ؛ إذ المفروض ، أنّ طلب الأهمّ مطلق غير مشروط ، ومقتضاه كونه باقيا في مرتبة المهمّ ، فيلزم طلب الجمع بين الضّدّين الفعليّين في زمن واحد ، وهذا هو عين طلب المحال القبيح على الحكيم. (١)
وفيه : أنّا نسلّم اجتماع الأمرين في زمان واحد.
أمّا الأمر الأهمّ ، فلكونه مطلقا بالنّسبة إلى حالتي الوجود والعدم.
وأمّا أمر المهمّ ، فلتحقّق الشّرط الّذي هو عصيان الأهمّ وتركه ، ولكن لا نسلّم أن مقتضى ذلك ، هو طلب الجمع بين الضّدّين كي يلزم المحال المذكور ؛ وذلك ، لأنّ مطلوبيّة أحدهما يكون في طول الآخر ، فلا يمكن أن يقعا معا مطلوبين حتّى في ما إذا فرض تمكّن المكلّف من إيجاده.
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٢١٣.