«تتميم وتكميل»
كلّ ما ذكرنا إلى الآن نقلا ونقدا ، كان راجعا إلى مقام الثّبوت ومرحلة إمكان التّرتّب وامتناعه ؛ وقد أشرنا في أوائل البحث إلى أنّه لو ثبت الإمكان في مقام الثّبوت لما احتجنا في مقام الإثبات إلى دليل خاصّ من نقل ونصّ ، بل يكفي إطلاق دليلي الخطابين المتزاحمين.
بيان ذلك : أنّ باب التّرتّب ليس من قبيل باب التّعارض ؛ إذ المفروض ، وجود الملاك في كلا الأمرين المتزاحمين ، كالصّلاة والإزالة ، فلا تنافي بينهما في مقام الملاك ، ولا في مقام الجعل والتّشريع ، بل التّنافي والتّعاند بينهما ، إنّما هو في مقام العمل وموقف الإطاعة ، نظرا إلى عدم قدرة المكلّف على الجمع بينهما في زمان واحد.
وعليه : فالتّرتّب مندرج في باب التّزاحم ، وقضيّة الجمع العرفي هو الأمر بكلّ واحد من المتزاحمين عند ترك الآخر ـ فيما إذا كانا متساويين في الملاك ـ أو الأمر بالمهمّ بشرط عصيان أمر الأهمّ أو حين عصيانه وترك متعلّقه وإبقاء الأهمّ بحاله ـ فيما إذا كانا مختلفين في الملاك ـ ونتيجة ذلك : أنّ التّكليف التّرتّبي في مقام الإثبات ، مستفاد من نفس الخطابين ومتن الدّليلين بملاحظة الجمع العرفي.
هذا واضح ، بناء على مسلك من لا يقول بسقوط كلا الخطابين عن الحجيّة ؛ وأمّا بناء على مسلك المحقّق الخبير الميرزا حبيب الله الرّشتي قدسسره ـ من سقوط كلا الخطابين واستكشاف العقل خطابا ثالثا تخييريّا في المتساويين لئلّا يلزم تفويت المصلحة رأسا ـ فيمكن ـ أيضا ـ إثبات الأمر التّرتّبي.