ثمّ إنّ المشهور (١) قد التزم بالفرق بين النّهي والأمر ، بأنّ النّهي لا يقتضي إلّا ترك جميع أفراد المتعلّق من العرضيّة والطّوليّة ، فلا يسقط إلّا بترك الكلّ ، بخلاف الأمر ، فإنّه لا يقتضي إلّا إيجاد فرد واحد من أفراد المتعلّق ، فيسقط حينئذ.
ولكنّ الحقّ عدم الفرق بينهما لو خليّا وطبعهما ، حيث إنّ النّهي لا يدلّ إلّا على الزّجر عن الطّبيعة ، والأمر لا يدلّ إلّا على البعث إليها ، وأمّا الزّائد على هذا المقدار ، فخارج عن حيطة دلالتهما ، بل محتاج إلى ضمّ قرينة تدلّ عليه.
وإن شئت ، فقل : إنّ الأوامر أو النّواهي الشّرعيّة كلّها قانونيّة متوجّهة إلى عامّة المكلّفين وتكون حدودها ونواحيها بأسرها مقرّرة مبيّنة ، إلّا أنّ كلّ واحد منها مختلفة متنوّعة باختلاف الموارد وتنوّع المقامات والمسائل ، فقد يكون الأمر عمريّا ، كأمر الحجّ في قوله تعالى : (لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ ...)(٢) وقد يكون سنويّا ، كأمر الصّوم في قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(٣) وقد يكون يوميّا ، كأمر الصّلاة في قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ...)(٤) كما أنّ النّهي ـ أيضا ـ قد يكون دائميّا لازم الاتّباع في كلّ وقت وساعة ، إلّا إذا اضطرّ إلى المخالفة أو طرأ عنوان آخر من العناوين الثّانويّة الرّافعة للحرمة الأوّليّة ، وقد يكون موقّتا مقطعيّا ، إلى غير ذلك.
وبالجملة : ليس الكلام هنا في النّواهي الشّخصيّة ، كنهي زيد أو عمرو
__________________
(١) منتهى الأفكار : ج ١ ، ص ٨٨.
(٢) سورة آل عمران (٣) ، الآية ٩٧.
(٣) سورة البقرة (٢) ، الآية ١٨٥.
(٤) سورة الإسراء (١٧) ، الآية ٧٨.