وكيف كان ، فلو شكّ في الإمكان الوقوعيّ ، لا مجال لإجراء الأصل العقلائي ، لعدم جريانه في الامور العقليّة الفلسفيّة ، فليس من العقلاء بناء على الإمكان ، لأجل مصلحة من مصالح الإنسان ، فلو شكّوا في إمكان شيء لم يحكموا بأحد طرفي الشّكّ ولا يقولون : إنّ مقتضى الأصل هو الإمكان.
ومعنى كلام ابن سينا : «فذره في بقعة الإمكان» هو تجويز الوقوع وعدم الإنكار والنّفي بلا بيّنة وبرهان ، لا الحكم بالإمكان الوقوعيّ. وبعبارة اخرى : معنى الإمكان في كلامه هو الاحتمال ، وقوله : «فذره» يراد به «احتمله ولا تنكره بلا برهان» وهذا ، كما ترى ، من الأحكام العقليّة الّتي يدركه العقل ، لا من الاصول العقلائيّة الّتي يعمل بها لأجل مصالح العرف والعقلاء ، على أنّ حجّيّة الأصل تتوقّف على إمكان التّعبّد به وهو أوّل الكلام والمتنازع فيه ، في المقام ، كما أشار إليه السّيّد البروجردي قدسسره. (١) هذا في الجهة الثّانية.
أمّا الجهة الثّالثة (ضعف ما قرّره الشّيخ قدسسره) : فوجه ضعف ما عن في تقرير الاستدلال الشّيخ الأنصاري قدسسره : «من أنّا لا نجد في عقولنا بعد التّأمّل ما يوجب الاستحالة ، وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالإمكان» (٢) ، هو أنّ عدم وجدان ما يوجب الاستحالة ، ليس دليلا على عدم وجود ما يوجبها ؛ ولذا قالوا : «عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود». نعم ، مع عدم وجدان ما يوجب امتناع شيء ، يذره العقل في بقعة الإمكان والاحتمال ولا ينكره ، وهذا أمر عقليّ ، اشير إليه في كلام
__________________
(١) راجع ، نهاية الاصول : ص ٤٣٧.
(٢) فرائد الاصول : ج ١ ، ص ١٠٦.