نعم ، يبقى محذور تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة ؛ ومحذور نقض الغرض ، بحالهما ؛ ولذا يقال : لم لم يجعل الشّارع وجوب الاحتياط في الشّبهات كلّها حتّى لا يلزم التّفويت والإلقاء.
هذا ، ولكن تصدّى المحقّق النّائيني قدسسره لدفع هذا المحذور على فرض الانسداد ، فقال : «فإنّ المكلّف لا يتمكّن من استيفاء المصالح في حال انسداد باب العلم ، إلّا بالاحتياط التّام ، وليس مبنى الشّريعة على الاحتياط في جميع الأحكام ، فالمقدار الّذي تصيب الأمارة للواقع يكون خيرا ، جاء من قبل التّعبّد بالأمارة ولو كان مورد الإصابة أقلّ قليل ، فإنّ ذلك القليل ـ أيضا ـ كان يفوت لو لا التّعبّد ، فلا يلزم من التّعبّد إلّا الخير» (١).
حاصل كلامه قدسسره يرجع إلى أنّ مبنى الشّريعة ـ وهي سمحة ، سهلة ـ ليس على الاحتياط ، وإجراء البراءة في كلّ مورد يوجب التّفويت رأسا ، فلا محيص عن جعل الأمارة والأمر بالتّعبّد بها وإن أوجب بعض الأحيان ، التّفويت والإلقاء ، بل المقدار الّذي تصيب الأمارة يكون خيرا ، جاء من قبل التّعبّد بالأمارة ولو كان مورد الإصابة أقلّ قليل.
وقد أورد عليه الإمام الرّاحل قدسسره بقوله : «يرد عليه بأنّ الأمر لو كان دائرا بين العمل على طبق الأمارة وترك العمل والإهمال رأسا ، كان الأمر كما أفاده قدسسره ، لكنّه ليس دائرا بينهما ، بل هو دائر بين العمل بالاحتياط أو التّجزّي فيه ، أو العمل بالأمارة ، فحينئذ يرد الإشكال عينا على التّرخيص في ترك الاحتياط أوّلا ، وعلى
__________________
(١) فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٩٠.