هي الأحكام الواقعيّة لهم الّتي تختلف باختلاف آرائهم ، تتعدّت بتعدّد أنظارهم فهي تابعة لآراء المجتهدين وجودا وعدما ، حدوثا وبقاء ، توحّدا وتعدّدا.
وواضح : أنّه على هذا المسلك ، ليس وراء مؤدّى الأمارة حكم آخر واقعيّ حتّى يلزم من ناحية التّعبّد بها والعمل على خلاف ذلك الحكم ، تفويت بالنّسبة إلى مصلحة الواقع ، وهذا هو التّصويب الأشعريّ الّذي قام على خلافه الضّرورة ، وعلى بطلانه الإجماع ، مضافا إلى دعوى تواتر الأخبار وتظافر الرّوايات على اشتراك الأحكام الواقعيّة بين العالم والجاهل ، أصابها من أصاب ، وأخطأها من أخطأ ، على أنّ الأماريّة لا تجامع السّببيّة المولّدة المحدّثة ، فافهم واغتنم.
الوجه الثّاني : السّببيّة المعتزليّة ، بأنّ الحكم الواقعيّ وإن كان متحقّقا في الواقع ، دائرا مدار المصلحة أو المفسدة النّفس الأمريّة ، مشتركا فيه العالم والجاهل ، إلّا أنّ قيام الأمارة موجب لحدوث مصلحة أقوى في المؤدّى (١) من مصلحة الواقع ؛ إذ مقتضى التّساوي هو التّخيير بينه وبين المؤدّى ، والمفروض ، أنّ الحكم الفعليّ ليس إلّا المؤدّى.
وواضح : أنّه على هذا المسلك ـ أيضا ـ تندفع شبهة التّفويت ؛ إذ مع قيام الأمارة على خلاف ما في الواقع ، يكون الحكم الواقعيّ الفعليّ هو مؤدّى الأمارة الّذي
__________________
(١) في هذا التّعبير تسامح ؛ إذ المصلحة لا تكون في المؤدّى وهو الحكم بل تكون في متعلّقه ، والمناسب أن يقال : قيام الأمارة موجب لحدوث مصلحة أقوى في نفس العنوان الذّاتي ، نظير أن يكون «صلاة الجمعة» مثلا ، مشتملة على مفسدة واقعا ، مستتبعة للحرمة ، لكنّ الأمارة قامت على وجوبها ، فصار قيامها عليه موجبا لحدوث مصلحة فيها أقوى من تلك المفسدة ، أو قامت على وجوب الظّهر ، فصار قيامها عليه موجبا لحدوث مصلحة أقوى من تلك المفسدة.