هذه كلّها إشكالات من الأساطين على مقالة الشّيخ الأنصاري قدسسره ، ولكن التّأمّل في كلماته قدسسره يقتضي أن يقال : إنّه ليس في كلامه قدسسره ما يدلّ على كون قيام الأمارة سببا لحدوث مصلحة في نفس السّلوك ، كيف! وأنّ لازمه أن يكون أمر الشّارع بالتّعبّد بها ـ بأن يقول : مثلا ، اسلك الأمارة أو اعمل بها أو تعبّد بها ـ أمرا نفسيّا ، عرضيّا ، مولويّا ، نظير أمره بالصّلاة والصّوم والحجّ مع أنّ أمثال هذه الأوامر طريقيّة إرشاديّة صدرت لحفظ الواقع.
والموجود من كلامه قدسسره هنا ، ليس إلّا عبارتان : إحداهما : أن لا تكون مشتملة لعنوان المصلحة السّلوكية وهي هذه : «إنّ التّعبّد بالخبر يتصوّر على وجهين : أحدهما : أن يجب العمل به لمجرّد كونه طريقا إلى الواقع ... الثّاني : أن يجب العمل به لأجل أنّه يحدث فيه ـ بسبب قيام تلك الأمارة ـ مصلحة راجحه على المصلحة الواقعيّة الّتي تفوت عند مخالفة تلك الأمارة للواقع ، كأن يحدث في صلاة الجمعة بسبب إخبار العادل بوجوبها ، مصلحة راجحة على المفسدة في فعلها على تقدير حرمتها واقعا» (١).
فهذا الكلام ، كما ترى ، ناظر إلى الطّريقيّة المحضة وإلى السّببيّة المعتزليّة ، لا إلى المصلحة السّلوكيّة كما هو مورد البحث.
ثانيتهما : أن تكون مشتملة لعنوان المصلحة السّلوكية وهي هذه : «وحيث انجرّ الكلام إلى التّعبّد بالأمارات الغير العلميّة ، فنقول : في توضيح هذا المرام وإن كان خارجا عن محلّ الكلام ، إنّ ذلك يتصوّر على وجهين : الأوّل : أن يكون ذلك من باب
__________________
(١) فرائد الاصول : ج ١ ، ص ١٠٨ و ١٠٩. الطّبعة الجديدة.