وأمّا الظّنّ الانسداديّ على الحكومة ، فمؤدّاه ـ أيضا ـ يسند إلى الشّارع لو كان حجّة في طريق إثبات التّكليف ، ولكن سيجيء في مبحث الانسداد ، أنّه يقع في طريق إسقاطه ، فمرجع حجّية الظّنّ ، بناء على الحكومة ، إلى حكم العقل بجواز الاكتفاء في مقام امتثال التّكاليف المعلومة إجمالا بالظّنّ ، وأنت تعلم ، أنّ المراد من الحجّة هنا ما يقع في طريق إثبات التّكليف لا إسقاطه. وعليه ، فالظّنّ الانسداديّ ليس بحجّة ؛ ولذا ذهب عدّة من الأعلام إلى أنّ مقدّمات الانسداد على تقرير الحكومة لا تنتج حجيّة الظّنّ ، بل نتيجتها هو التّبعيض في الاحتياط بالأخذ بالمظنونات دون المشكوكات والموهومات.
وأمّا الوجه الثّاني : وهو قوله قدسسره : «ولو فرض صحّتهما شرعا مع الشّكّ في التّعبّد به ، لما كان يجدي في الحجّيّة شيئا ...» فلأنّه أوّلا : مجرّد فرض ؛ وثانيا : يكون أجنبيّا عمّا قال به الشّيخ الأنصاري قدسسره غير نافع له ؛ إذ هو قدسسره يستفيد من عدم جواز الاستناد والإسناد ، عدم الحجّيّة ، وأنت ترى ، أنّ هذا ممّا لا ينافيه جوازهما مع عدم الحجّيّة ، لإمكان كونهما لازمين أعمّ للحجّيّة.
وقد تقرّر في محلّه ، أنّ نفي الأعمّ مستلزم لنفي الأخصّ ، كنفي الحيوان المستلزم نفي الإنسان ، بخلاف إثبات الأعمّ ، فهو لا يستلزم إثبات الأخصّ ، فإثبات الحيوان لا يستلزم إثبات الإنسان ، فنفي جواز الاستناد والإسناد مستلزم لنفي الحجّيّة ، ولكن إثباتهما لا يستلزم إثباتها ، بمعنى : أنّ نفيهما مستلزم لنفي الحجّيّة حتّى إذا فرض إمكان إثباتهما مع نفيها ، فلا يبقى المجال لما عن المحقّق الخراساني قدسسره من أنّ إثباتهما حيث لا يستلزم إثبات الحجّيّة ، فلا يكون نفيهما مستلزما لنفيها.