الوجه الثّاني : دعوى احتواء القرآن على مطالب غامضة ومضامين شامخة بحيث لا يكاد تصل إليها أيدي الأعالي ، فضلا عن الاوساط والأداني.
وربما يستشهد لهذا الوجه ـ أيضا ـ برواية عبد الرّحمن بن الحجّاج ، قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : ليس شيء أبعد من عقول الرّجال عن القرآن» (١).
ورواية جابر ، قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : يا جابر! إنّ للقرآن بطنا ، وللبطن ظهرا ، وليس شيء أبعد من عقول الرّجال منه ، إنّ الآية لينزل أوّلها في شيء ، وأوسطها في شيء ، وآخرها في شيء ، وهو كلام متصرّف على وجوه» (٢).
هذا الوجه ـ أيضا ـ كالوجه السّابق يرجع إلى إنكار الصّغرى وأصل ظهور الكتاب ، ولكن ضعفه واضح ؛ إذ مضافا إلى ما عرفت في ردّ الوجه الأوّل وإبطاله ، أنّ اشتمال القرآن على الغوامض والمعاني العالية ، لا ينافي ظهور آيات ظاهرة في الأحكام من الأوامر والنّواهي.
ولقد أجاد السّيّد البروجردي قدسسره فيما أفاده في المقام ، حيث قال ، ما حاصله : إنّ اشتمال المذكور وإن كان مسلّما ، إلّا أنّه لكونه كتاب الإرشاد والهداية انزل على وجه يفيد تلك المطالب العالية لمن عرف اللّغة العربيّة ، والقياس بكلمات الأوائل قياس مع الفارق ، لكون كتبهم كتبا علميّة محضة ، ليست للإرشاد والهداية ، بخلاف كتاب الله عزوجل ، فإنّه كتاب انزل للإرشاد والهداية ولبيان صلاح الامّة وفساد العامّة. (٣)
__________________
(١) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ١٣ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٦٣ ، ص ١٤٩.
(٢) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ١٣ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٧٤ ، ص ١٥٠.
(٣) راجع ، نهاية الاصول : ص ٤٨٠ و ٤٨١.