الأوّل : دلالة الاقتضاء ، وقد يعبّر عنها بمناسبة الحكم والموضوع ، توضيحه : أنّ وجوب التّبيّن وعدم القبول بدونه يناسب جهة فسق المخبر حيث لا يتحرّز معه عن المعاصي الّتي منها تعمّد الكذب ، فوجب التّبيّن كي لا يتحقّق الإصابة بجهالة والإصباح بندامة ، وأمّا العدالة فإنّها حقيقة عاصمة مبعدة عن المعاصي الّتي منها تعمّد الكذب ، وقضيّة ذلك حجّيّة خبر العادل ووجوب قبوله ، ولزوم العمل على طبقه بلا حاجة إلى تبيّن واستبانة.
وبعبارة اخرى : الفسق يوجب عدم الاعتبار فيجب التّبيّن ، والعدل يوجب الاعتبار فلا يجب التّبيّن.
وفيه : أنّ الظّاهر رجوع هذا الأمر إلى الأمر الآتي وهو مفهوم الوصف وتعليق الحكم ، فيقال في مثل : أكرم العالم ، إنّ العلم ممّا يناسبه وجوب الإكرام بخلاف الجهل ، فيجب إكرام العالم ، ولا يجب إكرام الجاهل. وسيأتي إن شاء الله الرّحمن ، أنّ تعليق الحكم بالوصف لا يدلّ على العلّيّة المنحصرة. وعليه ، فالآية لا تدلّ على حجّيّة خبر الواحد العادل بطريق الاقتضاء والمناسبة.
الأمر الثّاني : مفهوم الوصف ، توضيحه : أنّ في الآية علّق وجوب التّبيّن عن النّبأ ، بوصف الفاسق ، وهذا يقتضي حسب المفهوم عدم وجوب التّبيّن عن نبأ غير الفاسق.
وفيه : أنّ مفهوم الوصف إنّما يدلّ على حجّيّة خبر العادل إذا تمّ دلالة تعليق الحكم بالوصف على العلّيّة ، فضلا عن انحصارها ؛ والحقّ عدم تماميّة ذلك ، ولو سلّم الإشعار بالعليّة ، فلا نسلّم الظّهور فيها ، ولو سلّم الظّهور فيها ، فلا نسلّم الانحصار قطعا.