الجهة الثّانية : أنّ الإنذار والتّخويف هو وظيفة المفتي والواعظ ، لا الرّاوي والمخبر ، أمّا المفتي ، فلأنّه إذا استنبط الأحكام من الوجوب والحرمة وغيرهما ، يفتي ذلك بالأصالة وبالدّلالة المطابقيّة ، وينذر مقلّديه ويخوّفهم من العقوبة على المخالفة لفتاواه بالتّبع وبالدّلالة الالتزاميّة ، فيجب الحذر على المقلّدين لأجل قيام الحجّة. وأمّا الواعظ ، فلأنّه يعظ النّاس وينذرهم بامور دينيّة ، فالإنذار هو شأنهم ، وهذا بخلاف الرّاوي ، فلا شأن له إلّا نقل الرّواية بلا إنذار وتخويف على المخالفة ، بل قد ينقل مجرّد الكلمات بلا فهم ودراية. ونتيجة ذلك ، أنّ الآية أجنبيّة عن المقام.
وقد اجيب عن هذا الإشكال ، بأنّ الرّاوي يروي بالذّات والأصالة ، وينذر بالعرض والتّبعيّة ، بمعنى : أنّه يروي ـ مثلا ـ رواية وجوب شيء أو حرمته ، وينذر ضمنيّا بالعقوبة على المخالفة ، فيجب الحذر بمقتضى الآية ، فتثبت حجّيّة هذا النّوع من الرّواية الدّال على الأحكام الإلزاميّة مع فرض كون الرّاوي من أهل الإنذار ؛ إذ هي تكون إخبارا مع انذار والمعاتبة ؛ وأمّا النّوع الآخر منها وهو الإخبار بلا إنذار ، إمّا لكون الرّاوي عاميّا أو لكون المرويّ حكما غير إلزاميّ ، فتثبت حجّيّته بعدم القول بالفصل.
الجهة الثّالثة : أنّ الآية تدلّ على وجوب الحذر عند إنذار الفقيه بما هو فقيه ، لا الرّاوي بما هو راو ، لأنّ المأخوذ فيها هو عنوان التّفقّه والدّراية ، لا النّقل والرّواية ، فالآية تكون من أدلّة حجّيّة الفتوى والنّظر ، لا الرّواية والخبر ، ولا مجال للتّشبّث بعدم القول بالفصل ؛ بداهة ، أنّه لا يرتبط الفتوى بالرّواية ، ولذا قد يقال : بحجّيّة الفتوى وعدم حجّيّة الرّواية.