غاية الأمر : يفارق بين مفاد تلك القاعدتين ؛ إذ مفاد قاعدة الحلّ هو الحكم التّكليفيّ ، ومفاد قاعدة الطّهارة هو الحكم الوضعيّ ، وهذا المقدار من الفرق لا يوجب دخول إحداهما في الاصول ، وخروج الاخرى عنه البتّة.
وبالجملة : ليس وجه عدم التّعرض لأصالة الطّهارة في الاصول هو كونها خارجة عنه ، بل الوجه هو كون البحث عنها ليس بمهمّ ، نظرا إلى أنّها ثابتة بلا كلام من دون حاجة إلى نقض وإبرام ، بخلاف الاصول الأربعة المتقدّمة.
وقد ذكر المحقّق الخراساني قدسسره (١) لعدم تعرّض قاعدة الطّهارة في الاصول ، مضافا إلى الوجه المتقدّم ، وجها آخر وهو عدم اطّرادها في جميع أبواب الفقه ، بل تختصّ بباب الطّهارة فقط ، بخلاف الاصول الأربعة ، فإنّها جارية في كلّ الأبواب.
ولكنّه ضعيف ؛ لما مضى وقرّر سابقا ، من أنّ الضّابط في كون المسألة اصوليّة ، ليس إلّا وقوع نتيجتها في طريق استنباط الأحكام الشّرعيّة ، ولا يعتبر فيه أزيد من ذلك ، كالاطّراد والجريان في جميع الأبواب ، وإلّا لخرج بعض المباحث الاصوليّة عن علم الاصول ، كمبحث دلالة النّهي على الفساد في العبادة ونحوه ، لعدم جريانه في غير العبادة ، كما لا يخفى.
ويلحق في هذا الضّعف ، ما تخيّل من أنّ وجه عدم التّعرض ليس إلّا أنّ الطّهارة والنّجاسة تكونان من الامور الواقعيّة الخارجيّة ، لا من الأحكام الشّرعيّة ، فالشّبهة فيهما دائما تكون شبهة مصداقيّة موضوعيّة ، وأنت تعلم ، أنّ الشّبهات المصداقيّة خارجة عن المسائل الاصوليّة الّتي تقع نتيجتها في طريق استنباط الأحكام الكلّيّة الإلهيّة.
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ١٦٥ و ١٦٧.