من الاقتحام في الهلكات.
ويشهد على ذلك أنّه لا يجب الوقوف في الشّبهات الموضوعيّة مطلقا ، ولا في الحكميّة الوجوبيّة بعد الفحص ، وليس هذا إلّا لخروج هذه الشّبهات عن موضوع الشّبهة بالأدلّة الدّالّة على الرّخصة فيها ، لا لتخصيص أدلّة وجوب التّوقّف بعد الفراغ عن صدق الموضوع والاندراج تحت عنوان الشّبهة ؛ وذلك لإباء لسان أدلّة وجوبه عن التّخصيص ، فلا يصحّ أن يقال : الوقوف عند الشّبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، إلّا الوقوف في الشّبهات الموضوعيّة مطلقا وفي الحكميّة الوجوبيّة ؛ إذ معنى هذا التّخصيص هو أنّ الوقوف في هاتين الشّبهتين لا يكون خيرا من الاقتحام في الهلكة ، وهذا كما ترى.
وبالجملة : المراد من الشّبهة هو المشتبه رأسا ، والشّبهة البدويّة ليست كذلك مع وجود أدلّة الرّخصة والحلّيّة ، فلا مناص من أن يقال : بالتّخصّص وخروج هذه الشّبهة بتلك الأدلّة ، عن أدلّة الوقوف موضوعا.
أضف إلى ذلك كلّه ، هو أنّ معنى كبرى التّعليل هو عبارة عن قولنا : قف عند الشّبهة ولا توقع نفسك في الهلكة ، ولا تقتحم في العقوبة. ولا ريب ، أنّ مقتضى ذلك هو أن تكون الهلكة عند ارتكاب الشّبهة ، مفروضة التّحقّق مع قطع النّظر عن هذه الرّوايات كي يعلّل بها وجوب التّوقف ، وليس هذا إلّا في مورد الشّبهتين : أحدهما : الشّبهة البدويّة قبل الفحص واليأس عن الظّفر بالحجّة ؛ ثانيهما : الشّبهة المقرونة بالعلم الإجماليّ ، وأمّا الشّبهة البدويّة بعد الفحص واليأس عنه ، فليست فيها هلكة وعقوبة لوجود أدلّة البراءة والرّخصة من العقليّة والنّقليّة فيها.