مسألة من المسائل الفقهيّة أن لا يقع البحث عن الإطلاق والعموم بالنّسبة إلى بعض الموضوعات المشكوكة ، ولعمري أنّ ما وقع منه لا يخلو من غرابة» (١).
هذا كلّه في الاحتمال الأوّل (كون المسألة اصوليّة).
الاحتمال الثّاني (كون المسألة فقهيّة) فقد انقدح ممّا ذكرنا : من أنّ قاعدة الملازمة بين الحكم العقليّ والحكم الشّرعيّ لو تمّت ، لكانت في سلسلة المبادي والعلل لا المعاليل ، وأنّه لا يعقل كون المسألة فقهيّة بأن يبحث ويقال : هل التّجرّي حرام شرعا ، أم لا؟ لما عرفت من لزوم تعدّد العقوبة ولزوم التّسلسل.
الاحتمال الثّالث (كون المسألة كلاميّة) لا يخفى : أنّ هذا الاحتمال له مجال واسع ؛ ضرورة ، أنّ البحث عن التّجرّي راجع حقيقة إلى البحث عن القبح واستحقاق الذّم والعقوبة وعدمهما ، وهذا بحث كلاميّ.
هذا تمام الكلام في الجهة الاولى (احتمال كون المسألة اصوليّة أو فقهيّة أو كلاميّة).
أمّا الجهة الثّانية (أنّ المتجرّي ، هل هو كالعاصي يستحقّ العقوبة ، أم لا؟) فنقول : ـ بعد تتّبع الأقوال والتّفكّر فيها كثيرا ـ إنّ التّجرّي لا يستلزم العقوبة نوع عقوبة العاصي ، ولا يستلزم الجحيم والنّار نحو جحيم العاصي وناره.
توضيح ذلك : أنّ التّجرّي والمعصية بينهما جهة اشتراك وهي الجرأة على المولى والخروج من رسم العبوديّة والعزم على العصيان وأمثال هذه العناوين ؛ وجهة امتياز وهي انطباق عنوان المخالفة على المعصية دون التّجرّي.
__________________
(١) أنوار الهداية : ج ١ ، ص ٤٧.