ولا ريب : أنّه لو فرض حكم العقل بقبح التّجرّي واستحقاق العقوبة عليه ، فلا بدّ أن يكون هذا الحكم بملاك مشترك بينه وبين المعصية ، كأحد العناوين المتقدّمة ، لا بملاك يختصّ بالتّجرّي ويمتازه عن المعصية وهو عدم انطباق عنوان المخالفة عليه.
ومن الواضح : أنّه لو كانت الجهة المشتركة بينهما ملاكا مستقلّا للقبح واستحقاق العقوبة ، لزم القول بتعدّد الاستحقاق في صورة المصادفة وتحقّق المعصية ؛ وذلك ، لأنّ معصية المولى ممّا لا ريب في كونه علّة مستقلّة للقبح والاستحقاق ، فإذا لو قلنا : بكون الجهة المشتركة ـ أيضا ـ علّة مستقلّة ، يوجب ذلك ، اجتماع العلّتين لاستحقاق العقوبة في صورة العصيان ، فيتعدّد الاستحقاق ، وهذا ممّا لم يقل به أحد.
ونتيجة ذلك ؛ أنّ التّجرّي ليس كالعصيان ، والمتجرّي ليس كالعاصي في استحقاق العقوبة.
نعم ، هنا بحوث دقيقة عقليّة ، تنتج تعدّد الاستحقاق حسب تعدّد عوالم النّار والجنّة بتعدّد ما في الإنسان من الأعمال والأخلاق والعقائد الحقّة أو الباطلة ، فيمكن أن يكون للتّجرّي عقاب مناسب له ، لكنّها لا تسعها المباحث الاصوليّة ، فراجع إلى محالّها ومظانّها المعهودة.
فتحصّل : أنّ ملاك العقوبات هي مخالفة المولى في أوامره ونواهيه وهو تمام الموضوع في التّقبيح والتّعذيب ؛ وأنت ترى ، أنّ هذا ملاك مختصّ بالعصيان ، لا مشترك بينه وبين التّجرّي كي يقال : باستحقاق العقوبة فيه ، أيضا. (١)
هذا ، ولكن خالف المحقّق العراقي قدسسره في ذلك ، فقال : «تمام المناط في القبح
__________________
(١) راجع ، تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٨٩ و ٩٠.