إلى تعدّد عوالم النّار الّتي توجب تعدّد استحقاق العقاب وهي مسألة اخرى لا يسعها البحوث الاصوليّة.
ثمّ إنّ المحقّق النّائيني قدسسره تمسّك بوجه آخر لإثبات أنّ المتجرّي لا يستحق العقوبة ، كما يستحقّها العاصي ، حاصله : أنّ دعوى استحقاق المتجرّي للعقاب ، منوطة بدعوى اخرى وهي دعوى وحدة المناط لاستحقاق العقاب في المتجرّي والعاصي وهو القبح الفاعليّ ، سواء كان هناك قبح فعليّ ـ أيضا ـ أم لم يكن ؛ وأنت ترى ، أنّ المناط في استحقاق العقاب وإن كان هو القبح الفاعليّ ، لكنّه ليس مناطا مطلقا ، بل مختصّ بما إذا كان متولّدا من القبح الفعليّ ، وأمّا المتولّد من سوء السّريرة فلا ، وكم فرق بينهما؟ (١)
وفيه : أوّلا : أنّ دعوى وحدة المناط لاستحقاق العقاب في المتجرّي والعاصي ممنوعة ؛ إذ المدّعي للاستحقاق في التّجرّي ، إنّما يقول به : بمناط هتك الحرمة أو الجرأة على المولى أو الخروج عن زيّ العبوديّة أو نحوها من سائر العناوين ولو لم تتحقّق المصادفة ، بخلاف الاستحقاق في العاصي ، فإنّه بملاك المخالفة للأوامر أو النّواهي المجعولة ، كما لا يخفى.
وثانيا : لو سلّم ذلك ، لما كان الفرق بين القبح الفاعليّ المتولّد من القبح الفعليّ ، وبين القبح الفاعليّ المتولّد من سوء السّريرة وخبث الباطن ؛ إذ التّجرّي عند مدّعي الاستحقاق عنوان مستقلّ وموضوع برأسه من أيّ منشأ نشأ وحصل ، فلا يجدي عنده ذلك الفرق.
__________________
(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٤٩.