وعليه : فعند كشف الخلاف في مثل ذلك ، ينتفي الحكم بانتفاء موضوعه ، ولا معنى للتّجرّي حينئذ ، وهذا نظير الظّنّ بالتّضرّر من الوضوء أو الغسل ـ مثلا ـ حيث يكون موضوعا لوجوب التّيمّم ، فلا يتحقّق التّجرّي فيما إذا توضّأ أو اغتسل مع هذا الظّنّ ، ثمّ انكشف وبان عدم الضّرر ؛ ضرورة عدم كشف الخلاف هنا بالنّسبة إلى الحكم (وجوب التّيمّم) ؛ إذ عرفت : أنّ موضوع الحكم هو نفس القطع أو الظّنّ أو الاحتمال ، وبعد انكشاف أنّ كلّ واحد منها مخالفا للواقع ، ينتفي الحكم بانتفاء موضوعه ، فليس هناك تجرّ أصلا.
التّنبيه الثّاني : حكي عن صاحب الفصول قدسسره أنّ قبح التّجرّي لا يكون ذاتيّا ، بل يختلف بالوجوه والاعتبارات ، فإذا كان الفعل المتجرّى به حراما في الواقع ، ففيه ملاكان للقبح (أحدهما : ملاك التّجرّي ؛ ثانيهما : ملاك الحرمة الواقعيّة) فلا محالة يتداخل العقابان وقبح التّجرّي في هذا الفرض يكون أشدّ ممّا إذا كان الفعل المتجرّى به في الواقع مكروها ، كما أنّ القبح في هذا الفرض ـ أيضا ـ أشدّ ممّا إذا كان الفعل المتجرّى به مباحا ، والقبح فيه أشدّ ممّا إذا كان الفعل المتجرّى به مستحبّا ، وأمّا إذا كان الفعل المتجرّى به واجبا في الواقع ، فيقع التّزاحم بين ملاك الوجوب وملاك قبح التّجرّي ، فربما يتساويان ، وربما يكون ملاك الوجوب أقوى ، فيتقدّم ؛ وربما يكون ملاك قبح التّجرّي أقوى ، فيكون قبيحا. (١)
أقول : إنّ هذا الكلام يرجع إلى دعا وثلاثة كلّها مردودة :
الاولى : أنّ قبح التّجرّي لا يكون ذاتيّا ، بل يختلف الأمر حسب اختلاف
__________________
(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٥٤ و ٥٥ ؛ ومصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٣٠ و ٣١.