والثّاني ، باطلا.
والتّحقيق يقتضي أن يقال : إنّ مفاد كلّ واحد من قوله عليهالسلام : «لا يدرك كلّه» وقوله عليهالسلام : «لا يترك كلّه» هو سلب العموم ونفي الشّمول ، لا عموم السّلب وشمول النّفي ، فالمراد من الحديث أنّ ما لا يدرك كلّه ، بل يدرك بعضه ، لا يجوز أن يترك بأسره وكلّه ، بل لا بدّ أن يؤتى ببعضه المقدور الميسور ، فيترك خصوص بعضه الآخر المتعذّر أو المعسور ؛ ولعمري أنّ هذا هو المعنى المستفاد من الحديث عرفا ، فيكون دليلا واضحا على مورد البحث في المقام.
ولقد أجاد المحقّق العراقي قدسسره في ما أفاده في المقام ، حيث قال : «فإنّ الظّاهر منها [الرّواية] هو كون النّفي فيها متوجّها إلى العموم المستفاد منه سلب العموم ، لا عموم السّلب ...» (١).
فتحصّل : أنّ الحديث على ما قرّرناه ، يدلّ على أنّه إذا تعذّر الإتيان ببعض أجزاء المأمور به ، وجب الإتيان بالمقدار الميسور من أجزاءه ، فلا يسقط التّكليف رأسا بمجرّد تعذّر الإتيان ببعض أجزاء الواجب ، بل يبقى ويتعلّق بغير المتعذّر منها ، ولا فرق فيما قلنا : بين أن تكون جملة : «لا يدرك كلّه» ناهية وجملة إنشائيّة ، وبين أن تكون نافية وجملة خبريّة ، لكن اريد به الإنشاء والطّلب.
ثمّ إنّه استشكل المحقّق الخراساني قدسسره على الاستدلال بهذه الرّواية بأنّ ظهور النّهي في جملة : «لا يترك كلّه» في التّحريم ، يعارضه إطلاق الموصول في جملة : «ما لا يدرك كلّه» الشّامل للمستحبّات ـ أيضا ـ وحيث لا مرجّح في البين لا يدلّ
__________________
(١) نهاية الأفكار : ج ٢ ، ص ٤٥٧.