الحديث إلّا على رجحان الإتيان بالمقدار الميسور. (١)
وفيه : أوّلا : أنّ النّهي أو النّفي يكون في طول الموصول وتابعا له ، فإن اريد من الموصول أمر واجب ، كان اللّازم أن لا يترك كلّه ويؤتى بما هو المقدور الميسور منه ، وإن اريد به أمر مستحبّ ، كان الرّاجح المستحبّ أن لا يترك كلّه ويؤتى بما هو المقدور الميسور منه ، فلا معارضة بين الصّدر والذّيل أصلا.
وبالجملة : إنّ قوله عليهالسلام : «لا يترك» متفرّع على قوله عليهالسلام : «ما لا يدرك» وتابع له ، فمعناه : أنّ الّذي لا يدرك كلّه لو كان واجبا يجب أن لا يترك كلّه ، بل لا بدّ أن يؤتى ببقيّته ، ولو كان مستحبّا يستحبّ أن لا يترك كلّه ويؤتى ببقيّته على نحو الرّجحان ، فلا مجال على هذا المعنى لتوهّم المعارضة.
وثانيا : أنّ مفهوم الأمر والنّهي ـ على ما قرّر في محلّه ـ ليس إلّا البعث والزّجر ، وأمّا الوجوب أو الاستحباب وكذا الحرمة أو الكراهة ، فخارجان عن مدلولهما مستفادان من الخارج ، فلا تدلّ جملة : «لا يترك كلّه» على حرمة التّرك ووجوب الإتيان بالبقيّة حتّى تعارض ما في جملة : «ما لا يدرك كلّه» من الموصول الظّاهر في العموم الشّامل للمستحبّات ، أيضا.
الرّواية الثّالثة : ما روى ابن أبي جمهور ـ أيضا ـ وقال : «روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه عليهالسلام قال : لا يترك الميسور بالمعسور» (٢).
هذه الرّواية ـ أيضا ـ ضعيفة من جهة السّند ، لأجل إرسالها ، على ما عرفت
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٢٥٣.
(٢) عوالي اللّئالي : ج ٤ ، ص ٥٨.