فالحري أن نشرع البحث عن تلك المقامات الخمسة :
أمّا المقام الأوّل : فربما يقال : باعتبار العلم التّفصيليّ بمخالفة المولى حين العمل ، في موضوع حكم العقل بقبح مخالفة المولى ، زعما أنّ القبيح هو العصيان ، لا مطلق المخالفة ولو جهلا أو نسيانا أو اضطرارا أو إكراها ، ولا عصيان إلّا مع العلم بالمخالفة حين العمل ولا علم بها إلّا مع العلم التّفصيليّ ، حيث إنّ في أطراف العلم الإجماليّ لا علم بالمخالفة حين ارتكاب كلّ واحد منها ؛ لاحتمال أن يكون التّكليف في الطّرف الآخر.
نعم ، بعد ارتكاب جميع الأطراف يحصل العلم التّفصيليّ بالمخالفة وهذا لا يعدّ عصيانا ، بل يكون تحصيلا للعلم بالمخالفة ، ومعلوم ، أنّه لا حرمة في تحصيل العلم بالمخالفة ، ألا ترى ، أنّه لو ارتكب المشتبه بدويّا ، لأصالة البراءة ، لا مانع بعد ذلك من تحصيل العلم بحرمة ما فعل ، بالسّؤال عن المعلوم أو بطريق آخر ، كالرّمل والجفر وغير ذلك ، فالعلم بالمخالفة حين العمل لا يكون إلّا مع العلم التّفصيليّ.
وفيه : أنّ الموضوع في حكم العقل بقبح مخالفة المولى ، ليس إلّا العصيان ، والعصيان ليس إلّا بوصول التّكليف والعلم به كبرى وصغرى ، بلا اعتبار تمييز متعلق التّكليف عن غيره ، فإذا علم المكلّف بكبرى التّكليف وهي حرمة الخمر ـ مثلا ـ وعلم بصغراه وهي خمريّة الخمر ، فقد تمّ البيان بالنّسبة إليه ، ولا يكون العقاب حينئذ بلا بيان ، ومجرّد تردّد الخمر بين المائعين وعدم حصول التّمييز ، لا دخل له في موضوع حكم العقل بقبح المخالفة ؛ ويشهد له الوجدان وحكم العقلاء ، حيث إنّه لا فرق لدى الوجدان والعقلاء في الحكم بقبح قتل ابن المولى ـ مثلا ـ من ناحية العبد ، بين معرفة