الوجه الثّالث : ما عن بعض الأعاظم قدسسره محصّله : أنّ القول بطهارة الملاقي لأحد أطراف الشّبهة ، إنّما يتمّ إذا لم يكن في البين أصل حاكم مقتض لنجاسته ، وإلّا فلا يتمّ ، توضيح ذلك : أنّ الحكم بطهارة الملاقي المفروض ، إمّا يكون لأجل الاستصحاب الحكميّ وهو استصحاب طهارته ، أو لأجل الاستصحاب الموضوعيّ ، وهو أصالة عدم ملاقاته للنّجس ، إلّا أنّ استصحاب بقاء النّجاسة في العباء يكون أصلا حاكما مقتضيا لنجاسة ملاقيه ؛ إذ الشّكّ في طهارة الملاقي ونجاسته مسبّب عن الشّكّ في نجاسة العباء وعدمه ، وعليه ، فلا يلزم اجتماع استصحاب النّجاسة مع طهارة الملاقي حتّى يقال : بعدم إمكانه. (١)
الوجه الرّابع : ما عن بعض المحقّقين قدسسره : من أنّ الاستصحاب في مسألة العباء لا يجدي ولا تترتّب عليه نجاسة الملاقي إلّا بالتّلازم العقليّ ؛ وقد علّل ذلك بقوله : «لأنّ نجاسة الجامع لو فرض محالا وقوفها على الجامع وعدم سريانها إلى هذا الطّرف أو ذاك ، فلا تسري إلى الملاقي ، لأنّ نجاسة الملاقي موضوعها نجاسة هذا الطّرف أو ذاك الطّرف لا الجامع بما هو جامع ، وإثبات نجاسة أحد الطّرفين بخصوصه بنجاسة الجامع يكون بالملازمة العقليّة». (٢)
وفيه : أنّ المسألة في مثل العباء إنّما هي مسألة الكلّ والأجزاء لا الكليّ والأفراد ، فلا جامع كلّيّا حتّى يقال : إنّ الكلّيّ والجامع بما هو هو ، لا يقبل الطّهارة والنّجاسة ، لكونه أمرا مجرّدا غير مادّي ، ويقال : ـ أيضا ـ لو فرض محالا نجاسته ، فلا تسري إلى الملاقي.
__________________
(١) راجع ، مصباح الاصول : ج ٣ ، ص ١١٣.
(٢) بحوث في علم الاصول : ج ٦ ، ص ٢٥٤.