(استصحاب الامور الاعتقاديّة)
التّنبيه الثّالث عشر : قد يتوهّم أنّ الاستصحاب يجري في الامور الخارجيّة الجوارحيّة فقط ، لكونه من الاصول العمليّة المختصّة بالأعمال ، فلا يجري في الامور الباطنيّة الجوانحيّة ، وهو مندفع ، بأنّ معنى كون الاستصحاب من الاصول العمليّة أنّها قرّرت لتعيين وظائف الجاهل بالواقع في موقف العمل في ما إذا لم تكن له أدلّة اجتهاديّة كاشفة عن الواقع ، لفظيّة كانت ، كالكتاب والسّنّة ، أو لبيّة ، كالإجماع والعقل.
وبعبارة اخرى : معنى كون الاستصحاب من الاصول العمليّة أنّها ليست من الطّرق والأمارات والأدلّة الاجتهاديّة ، لا أنّها تختصّ بالأعمال والأفعال الخارجيّة الجوارحيّة ، وقد عرفت وحرّر في غير موضع ، أنّ الاستصحاب يجري في أيّ مورد كان فيه اليقين بالحدوث والشّكّ في البقاء وكان قابلا للتّعبّد ، بلا فرق بين أن يكون المستصحب أمرا خارجيّا ، أم يكون أمرا نفسانيّا ؛ ولذا يجري الاستصحاب في الأحكام ، كالوجوب والحرمة والطّهارة والنّجاسة ونحوها مع أنّها ليست من الامور الخارجيّة ، وكذا يجري في مثل الفسق والعدالة والاجتهاد والفقاهة ونحوها من الامور النّفسانيّة الّتي لا تكون من أفعال الجوارح المعبّر عنها بالأعمال.
وبالجملة : أنّ الاستصحاب لا يختصّ جريانه بأفعال الجوارح ، بل يعمّ أفعال الجوانح والصّفات النّفسانيّة والامور الاعتباريّة ، نعم ، لا يجري في الامور الاعتقاديّة الّتي يجب فيها المعرفة والاعتقاد ، كالتّوحيد والنّبوّة والمعاد وغيرها ، لعدم قبولها للتّعبّد.