وأمّا النّقليّة ، فلأنّ موضوعها ـ على ما تقدّم آنفا ـ عدم العلم بالواقع ، والمراد من عدم العلم ليس إلّا عدم الحجّة مطلقا (العقليّة والشّرعيّة) ، والاستصحاب يكون حجّة بلا شبهة ، فيصير واردا على الاصول النّقليّة.
(تعارض الاستصحابين)
الأمر الثّالث : قد عرفت في بعض المباحث المتقدّمة أنّ الدّليلين المتنافيين ، إمّا يتنافيان في مرحلة الجعل وموقف التّقنين والإنشاء بحيث يحصل بينهما التّكاذب ، فيكذّب كلّ واحد منهما الآخر ، نظير ما إذا دلّ أحدهما على وجوب القصر ، والآخر على الإتمام مع العلم بأنّه لا يجب أزيد من صلاة واحدة لدلوك الشّمس ؛ وإمّا يتنافيان في مرحلة الامتثال وموقف الإطاعة ، كما في مثل إنقاذ الغريقين في بعض الفروض ، ولا يخفى ، أنّ التّنافي في مرحلة الجعل يبحث عنه في باب التّعادل والتّرجيح ويعامل معه معاملة التّعارض ؛ وأمّا التّنافي في مرحلة الامتثال ، فيبحث عنه في باب التّرتّب من مبحث الأمر ، أو في باب اجتماع الأمر والنّهي من مبحث النّواهي ويعامل معه معاملة التّزاحم.
إذا علمت هذا ، فنقول : إنّ البحث عن الاستصحابين المتنافيين هنا يكون راجعا إلى المتنافيين بحسب مقام الجعل لا الامتثال ، بيان ذلك ، إنّ هنا صورا ثلاثا :
الاولى : أن يكون الشّكّ في أحد الاستصحابين مسبّبا عن الشّكّ في الآخر ، فيكون الشّكان حينئذ طوليّين ، والسّببيّة إمّا تكون عقليّة تكوينيّة ، كما في الشّكّ في وجود المعلول للشّكّ في الوجود العلّة ، أو عاديه عرفيّة ، كما في الشّكّ في نبات لحية